كبار البحارة يأكلون رزق صغارهم في تونس

كبار البحارة يأكلون رزق صغارهم في تونس

09 أكتوبر 2018
الصيد الجائر يضعف حظوظ صغار الصيادين بالرزق(فيسبوك)
+ الخط -
لم يعد بحر جهة الشابة، بمحافظة المهدية الساحلية، وسط شرق تونس، كريماً كما كان مع البحارة الصغار، ولم يعد السمك فيها وفيرا كما كان أيضا. لذلك طفح كيل هؤلاء البحارة المعروفين بصبرهم، ودفعهم الغضب من شحّ الرزق إلى الاحتجاج والتصعيد والاحتماء بمظلة الاتحاد العام التونسي للشغل للضغط على الحكومة من أجل منع كبار البحارة من استعمال وسائل صيد ممنوعة قانوناً، تبعد السمك عن مواقع صيدهم، وتدمر الدورة الطبيعية للأسماك.

ويسمح القانون التونسي للصيادين باستعمال الشباك أو الجريد، أي وضع أغصان النخيل في مواقع معينة من البحر، يعشش في أطرافها السمك ويتكاثر، وتسمح له بالتنقل أيضا نحو شواطئ قريبة للتغذية والعودة مجددا إلى شاطئ الشابة. وهي طريقة إيكولوجية تحافظ على البيئة من جهة، إذ يلتحم الجريد بعمق البحر ويتحلل داخله دون أضرار، وتضمن الصيد الوفير من جهة أخرى.

بيد أنه منذ سنوات، نصب البحارة الكبار "الريتسة"، وهي شباك بأسلاك معدنية تنصب في البحر لتشكل بعد وقت قصير ما يشبه السد داخل البحر يعيق حركة الأسماك ويجمعها في مربعات مائية. وتتمكن مراكب الصيد الكبيرة من الوصول إليها واصطيادها، وهذا يؤثر على الدورة الطبيعية للبحر، وعلى توالد الأسماك وتنوعها، وفق تقرير المعهد الوطني للعلوم وتكنولوجيا البحار "صلامبو"، الذي حذر فيه من مواصلة استعمال هذه التقنية وعواقبها الوخيمة على البيئة.

وعلى امتداد ثلاث سنوات، يستمر ضغط صغار البحارة بشتى الطرق من أجل إيقاف الصيد بالريتسة، ونفذوا وقفات احتجاجية بعدما أصبحوا عاجزين عن اصطياد ما يملأ محلاً واحد لبيع السمك. وكانت آخر تلك الوقفات نهاية الأسبوع الماضي، ما تسبب بتوقيف عدد منهم، وأطلق سراحهم في ما بعد.

ويسود التشنج مرفأ الشابة، خصوصاً بعدما اتضح أن وزارة الفلاحة والصيد البحري قررت إسناد "صفقة" الشرافي (اقتناء ووضع وتثبيت الجريد في البحر) خلافا للإجراءات القانونية التي تقتضي عرضاً علنياً ودراسة للعروض المقدمة.

وأكد كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل في الشابة، البحري الهذيلي، لـ"العربي الجديد"، أن "الإشكال له جانبان، الأول يتعلق بتعنت الوزارة وسياسة التجاهل التي تنتهجها في التعامل مع أزمة تفاقمت وولدت احتقانا في كامل المنطقة، وفي جانبه الآخر تضرر المنظومة البيئية دون أي موقف رسمي من ذلك، واستقواء البحارة الكبار بأصحاب النفوذ للاستئثار بعائدات البحر".

وأوضح المتحدث أن "البحارة الصغار يحركهم قوتهم اليومي لا السياسة، ولم يعد خافيا على أحد أن الصيادين ومعظمهم من صغار البحارة أضحوا في وضع مادي صعب بعد التضييق على مصدر رزقهم ومستقبل مهنتهم التي توارثوها، لذلك كانوا يحتجون كلما اقترب الموعد السنوي لإجراء الصفقة، ويضغطون لضمان الشفافية وحفظ حقهم في المشاركة فيها، وأن يشترط على الفائزين فيها رفع التجهيزات إثر انتهاء موسم الصيد وعدم تجاوز المساحات".

وفسر الهذيلي أن "الصفقة تتمثل في شراء مساحات من البحر من أجل الصيد فيها، شرط استعمال الجريد فقط، غير أن ما يتضح بعد ذلك أنهم يستعملون الشباك المعدنية ويتجاوزون المساحة المتفق عليها"، مبيناً أن "الحاصلين على الصفقة هم ذاتهم منذ سنوات، دون إتاحة الفرصة لآخرين للمشاركة فيها، ويخرقون كراس الشروط بعلم الوزارة".

وذكر أنه "ثبت في بعض الأحيان تداول رشاو من أجل الفوز بالصفقة، بتغطية من منظمات أخرى تضغط بدورها من أجل إجراء الصفقة في أقرب وقت دون تعهدات، بما يحمي الفاسدين".

ونبه كاتب عام اتحاد الشغل بالجهة إلى أن "المنظمة النقابية تواصل تهدئة الأوضاع والضغط بوسائل سلمية تنبذ العنف الذي آلت إليه الأوضاع"، داعياً وزير الفلاحة والصيد البحري إلى "ترك الحجج الواهية المتعللة بالخلاف بين منظمة الفلاحين واتحاد الشغل لمواصلة تجاهل الأزمة التي بلغت حدّ العنف، وتهدد بنسف السلم الاجتماعي في الجهة".

واختتم البحري الهذيلي تصريحه لـ"العربي الجديد" بالقول: "إذا وهنت وزارة الفلاحة إلى درجة أن تترك البحارة يعودون إلى شريعة الغاب في العمل دون قانون، وتعمد الصيد العشوائي، فإن ذلك يعد علامة غير صحية، وخاصة أن الوزير كان حاضرا في أكثر من اجتماع حول الموضوع ودونت محاضر بذلك، ولم تطبق لغاية الآن".

دلالات

المساهمون