أنا أكره هالوين

أنا أكره هالوين

01 نوفمبر 2018
في الأمر مسٌّ بأصالة وبهويّة (هريستو روسيف/Getty)
+ الخط -

في زمن ليس ببعيد، قبل أقلّ من عقدَين، لم تكن ليلة الواحد والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول لتعني كثيراً لأهل البلاد. بالنسبة إليّ، لطالما وقعتُ في حيرة بينها وبين تلك التي تسبقها، ليلة الثلاثين. أيّهما تاريخ ميلاد صديق عتيق حملته الأيّام إلى خلف البحار، حيث احتجب. كانت تلك علاقتي بها... مجرّد ارتباك.

هناك، خلف البحار، حيث استقرّ صديقي العتيق، يحتفلون بليلة الواحد والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأوّل. هناك، يحتفلون بـ"هالوين" الذي كان أهل البلاد - نحن - قد خبروا بعضه من خلال أفلام هوليوود. انقضت الأعوام، وراحت تكثر الإعلانات الخاصة بتلك المناسبة، هنا، في بلادنا. ملابس تنكّريّة، معظمها لساحرات شرّيرات ومصّاصي دماء وهياكل عظميّة وأشباح، إلى جانب حفلات ذات صلة، وقوالب حلوى على شكل ثمار لقطين (يقطين) برتقاليّ اللون، وغيرها. لا بدّ من الإشارة إلى أنّني لطالما استسغتُ - وما زلتُ - كبّة اليقطين، غير أنّني لم أتقبّل في يوم تلك الثمار كمظهر من مظاهر احتفالات "هالوين".

"هالوين" احتفال طقوسه ضاربة في القِدم، من صلب ثقافة غير ثقافة هذه البلاد. لن أخوض في ذلك، هنا. ما يعنيني، لا بل يستفزّني، هو ذلك التعدّي المُرتكَب - بقصد أو بغير قصد - بحقّ "عيد البربارة". في ليلة الثالث من ديسمبر/ كانون الأوّل، مع فارق شهر واحد تقريباً، اعتدنا مذ أبصرنا النور، الاحتفال به. الصور الفوتوغرافيّة التي تحويها ألبوماتنا الورقيّة، قبل زمن التصوير الرقميّ، تؤكّد ذلك. لطالما انتظرناه...

شيئاً فشيئاً راح "هالوين" يتسلّل إلى البلاد، مساهماً في تطويق "البربارة". الخوض في مقارنة بين المناسبتَين ليس الهدف هنا. لكلّ واحدة منهما جذورها العميقة. أمّا الواقع اليوم، هنا في البلاد، فيُعَدّ خطراً. وتكمن الخطورة في تراجع تفاصيل من ثقافة هذه البلاد لمصلحة أخرى غير أصيلة. ربّما أنا متزمّتة. لن أنكر. كثر هم صغار اليوم الذين لا يدركون "عيد البربارة"، واحد من مظاهر تراث هذه البلاد، مثلما يجهلون مظاهر محليّة أخرى تختلف طبيعتها. في الأمر مسّ بأصالة وإرث وبهويّة. ليس في الأمر مبالغة. عادات الشعوب، في بقاع كثيرة من المعمورة، ماضية في التغيّر وتقاليدها في الاندثار. ويتهدّد ذلك ثقافاتها... وثقافتنا.




اختُتمت احتفالات "هالوين". كثيرون من هؤلاء الصغار والكبار الذين ارتدوا أزياءهم التنكّريّة بتلك المناسبة، لن يحتفلوا بـ"البربارة" بعد ثلاثة وثلاثين يوماً. للحديث عن "عيد البربارة" تتمّة... بينما تكبر الهوّة بين الأمس واليوم، مثلما شسعت المسافة بين صديقي العتيق وبَيني. وأُربَك مجدّداً إزاء تاريخ ميلاده.