محمد قدياني... مخترع إيراني ينقذ البيئة من مخلفات النفط

محمد قدياني... مخترع إيراني ينقذ البيئة من مخلفات النفط

28 أكتوبر 2018
سجل اختراعه في الولايات المتحدة (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ سنوات، يقضي الشابّ الإيراني محمد قدياني وقتاً طويلاً في المختبرات. وكانت النتيجة أن نجح في اختراع جهاز قادر على فصل المياه عن البقع النفطية

حقق جهاز اخترعه الشاب الإيراني محمد قدياني ما لم يكن يتوقعه. ولعه بالكيمياء ومحاولته إيجاد حلول لتنقية السوائل أوصلاه لإنجاز يفيد البيئة بالدرجة الأولى. خلال فترة وجيزة، تمكن من اختراع جهاز قادر على فصل المياه عن البقع النفطية التي تطفو على سطحه، لكنّها تحتاج إلى طريقة لجمعها بما لا يؤثر سلباً على الحياة البحرية أو الطيور.

محمد قدياني من مواليد عام 1990، يحمل شهادة بكالوريوس في الكيمياء من جامعة طهران، ويتابع دراساته العليا في التخصص نفسه. كان وما زال يهوى البقاء في المختبر. خلال عامه الجامعي الأول، قدّم اختراعاً يتعلق بكيفية أخذ عينات من المحاليل والسوائل والمركبات الكيميائية، وشارك في مهرجانات ومعارض علمية عدة مذ كان في المرحلة الثانوية.

قبل نحو أربعة أعوام، تعمق في إجراء دراسات على الأجهزة والحاويات المخبرية، وظل يقدّم أفكاراً واختراعات بسيطة تتعلّق بكيفية التعامل مع أجهزة المختبرات والمحاليل المستخدمة، ثمّ راح يفكر بطريقة للفصل بين العيّنات التي تؤخذ في المختبرات الكيميائية. ويقول لـ "العربي الجديد": "الجميع يعلم أن الزيت أو النفط يطفوان على سطح المياه. لكن كيف يمكن فصلهما وسحبهما في حال وقوع كوارث كبيرة؟".

هذا السؤال جعله يفكر ملياً، وخصوصاً أنه استرجع قصة وقعت في خليج المكسيك عام 2010. في ذلك الحين، حدثت كارثة بيئية بعد حصول تسرب نفطي إثر انفجار وغرق منصة بحرية لاستخراج النفط تابعة لشركة بريتش بيتروليوم البريطانية. في هذا السياق، يتحدث قدياني عن الحلول المحتملة في حالات كهذه. يقول إن المعنيّين يرشّون موادّ تشبه البودرة من طائرات تحلّق بالقرب من سطح المياه، تؤدي إلى تفكيك النفط وحلّه في المياه، ما يعني تدميراً للبيئة والمخلوقات.




يتابع قدياني أنّ الحل الثاني المتبع للتعامل مع كوارث من هذا القبيل، يكون بمحاصرة البقعة النفطية التي تتسع كثيراً منعاً لانتشارها على مساحة أكبر، ثم يحاول المتخصصون جمعها في بقعة واحدة وحرقها لتحويل النفط الذي يطفو على سطح المياه من سائل إلى غاز ودخان. وهذا أيضاً يدمر البيئة ويلوث الهواء.

وفي النتيجة، توصّل إلى اختراع يقول إنه "بسيط". وفي التفاصيل، يوضع في الجهاز حاوية تفصل المادتين تماماً، من خلال تقطير النفط في جهة ثانية، ما يعني إمكان استخدامه مرة أخرى وترك المياه نقية. ومن الممكن تركيبه على أي حاملة أو ناقلة نفطية.

ويوضح قدياني أن الاختراع مهم للغاية، وقد سخّر له وقته وطاقته لأنه يؤثر إيجاباً على البيئة والحيوانات والأسماك والطيور، التي يزداد احتمال موتها من جراء تلوث الماء. واستطاع تسجيله في الولايات المتحدة بعد ثمانية أشهر فقط من التقدم بالطلب، لافتاً إلى أن ذلك حصل في فترة استثنائية. وقد اضطر إلى الاستدانة لتسجيل اختراعه رسمياً في الخارج. لكن بعدما حقق ذلك، استطاع الحصول على اعتراف الجهات المعنية في الداخل بأهمية اختراعه، ليسجله في بلاده أيضاً.

ويقول قدياني إنّ في الاختراع مواصفات تميّزه عن غيره، فهناك أجهزة تفصل البقع النفطية عن المياه لكنها تكون غير نقية وغير قابلة للاستخدام مرة ثانية. هذا لأن التفكيك يحصل من خلال استخدام موادّ أخرى تختلط بالنفط، إلى جانب اعتباره اختراعاً عملياً لا يؤثر على البيئة، على عكس طرق الحلول المتبعة التي تعمل على تفكيك النفط بما يجعل وزنه أثقل، فينحلّ رويداً رويداً وينزل إلى قاع البحر، الأمر الذي يضرّ بالحياة البحرية.



ويرى قدياني أنّ هذا النوع من الاختراعات لا يفيد إيران فحسب، بل يمكن أن يستخدم على نطاق واسع. "العالم برمّته يعاني من مشاكل بيئية، ويجب اتباع السبل المتاحة للحفاظ على مخلوقاته". يضيف أنه يمكن وضع هذا الجهاز في خدمة المخازن أو المعامل التي تستخدم المشتقات النفطية، لا الحاملات والناقلات والمنصات التي تعبر البحار فحسب. في المقابل، يشكو كيفية التعامل مع اختراعات مماثلة من الناحية الصناعية، واعتبار أنها استثمار أكثر من كونها مفيدة للبيئة. ويعرب عن رغبته التعاون في المستقبل مع المؤسسات المعنية بالبيئة سواء في إيران أو خارجها، لتسويق اختراعه لأنه حاول التواصل مع الشركات وحصل على عرض واحد فقط، من دون أن يحصل على الأفضل لمراعاة حقوقه.

بدأ قدياني من الصفر، واستطاع أن ينتزع اعترافاً من الداخل حول أهمية إنجازه. قدمت له دائرة العلوم والتقنيات التابعة للرئاسة الإيرانية المبلغ الذي اضطر إلى دفعه لتسجيل اختراعه في أميركا، مشيداً بهذه الخطوة. مع ذلك، يرى أن مسألة إنتاج الاختراع ونشره ما زالت بلا حل، ولا يستطيع التعاون حتى الآن سواء مع جهات حكومية أو خاصة. ويشير إلى أن في إيران كماً هائلاً من الاختراعات التي يقدمها الشباب وطلاب الجامعات بالدرجة الأولى. وبحسب إحصاءات رسمية، فإن 14 ألف شخص يتقدمون باختراعاتهم للدوائر المعنية لتسجيلها رسمياً والاعتراف بها، ويُقبل منها تقريباً ألفا اختراع سنوياً. يضيف أن الكمّ كبير، عدا عن كتابة الأطاريح والأوراق البحثية العلمية الجيدة. لكن كل هذا يتطلب أن تحدد الدوائر المعنية للمخترعين طبيعة الاختراعات التي توفر حاجات البلاد، كي لا تذهب الجهود هباءً.

كما يشير إلى أن بعض الاختراعات لا يمكن تحويلها إلى مشاريع عملية، لكونها غير مفيدة لإيران. والمسألة الثانية أن المعارض والمهرجانات الخاصة بالاختراعات العلمية تكتفي بعرض هذه الاختراعات، من دون أن يحصل صاحبها على ما يريد، بينما توجد معارض شبيهة في الخارج تعقد في وقت محدد مرة سنوياً، وتنتهي بحصول المخترع على عقد تعاون أو صفقة مع شركة معنية باختراعه.




ويرى أن عملية تسجيل الاختراعات والاعتراف بها تطورت كثيراً في إيران مؤخراً، وأصبحت بمستوى جيد. لكنه يؤكد ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام بالاختراعات المفيدة، كي لا تشتريها شركات أجنبية تعطيها الدعم اللازم، من ثم تضطر إيران نفسها لشرائها مجدداً من تلك الشركات.

وفي ما خص البيئة، يؤكد قدياني أن هذا الملف يعني العالم برمته، ويجب أن يحصل كل ما يتعلق به على الدعم اللازم من الجميع. فالعوامل البيئية تؤثر على جميع المخلوقات وفي كل بقاع الأرض، ولا يمكن فصل الأماكن بعضها عن بعض، كما يقول.

المساهمون