أثاث مقابل الطعام في غزة

أثاث مقابل الطعام في غزة

23 أكتوبر 2018
يضعان الكنبة على الطريق لبيعها (محمد الحجار)
+ الخط -
يلجأ غزيون إلى بيع أثاث منازلهم في سوق اليرموك كل يوم جمعة لتأمين الغذاء لعائلاتهم. فالوضع الاقتصادي في قطاع غزة إلى مزيد من التدهور

عادة ما تكون الحركة كثيفة في سوق اليرموك وسط مدينة غزة كلّ يوم جمعة. ليس في السوق تجار فقط يعرضون سلعاً مختلفة، بل أيضاً أشخاص عاديون يأتون إليه لبيع أثاث منازلهم أو بعض الأدوات الكهربائية لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم. في القطاع، تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، وترتفع نسبة البطالة. أكثر من ذلك، تضيق الخيارات البديلة أمام المواطنين ما يجعلهم في أزمة.

قدم أبو ضياء (56 عاماً) ومعه تلفزيون وبعض الأجهزة الكهربائية الأخرى. يدرك أنّ بعض العائلات المحتاجة وأصحاب الدخل المحدود يأتون إلى السوق كل يوم جمعة، لأنّ أسعار السلع في متناول اليد. باع التلفزيون والأجهزة الكهربائية بمبلغ 400 شيكل، ما يعادله 115 دولاراً أميركياً. وبدلاً من مشاهدة التلفزيون، أصبحت أسرة أبو ضياء تعتمد على سماع الراديو. يقول لـ "لعربي الجديد": "شعرت بالخجل نهاية أغسطس/ آب هذا العام، حين جئت إلى سوق اليرموك، وبدأت في بيع غرف النوم والكنبات. لكنّ حاجتي إلى المال كانت أقوى، ولم يكن ينفع التردد. بعت غرفتَي نومٍ بنحو 500 دولار أميركي، وعدت إلى المنزل لإحضار الطعام والمواد التموينية والمعلّبات التي تكفي مدة أربعة أشهر".



كان أبو ضياء عامل نظافة في إطار برامج خلق فرص العمل التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة، كما كان يعمل طاهياً في أحد المطاعم المعروفة. لكن المطعم أغلق أبوابه قبل ثلاثة أعوام. ويبلغ عدد أفراد أسرته 10، منهم ثلاثة شبان عاطلون من العمل. اضطر إلى الاستدانة أكثر من مرة لتأمين الطعام لعائلته، حتى بعدما أصبح منزله من دون أثاث. يأمل أن تتحسن الظروف في غزة ويعود إلى العمل.

الزجاجيات أيضاً للبيع (محمد الحجار) 


قبل أسبوعين، أثار محمد عطية (50 عاماً) ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نشرت له الكثير من الصور، وهو يقف قرب أثاث منزله الذي وضعه على عربتين وحمار. كان ينادي على المارة لبيع الأثاث وسط سوق الساحة في مدينة غزة، قائلاً: "عفش (أثاث) للبيع للقمة العيش". باع أثاثاً (غرف النوم وكنبات وأجهزة كهربائية) كاملاً في مقابل 450 دولاراً أميركياً، مكتفياً بفرش لتنام عليها أسرته المؤلفة من تسعة أفراد. كان يعمل حداداً في المنطقة الصناعية في عسقولة شرق مدينة غزة. لكن منذ سبتمبر/ أيلول في عام 2016، خسر عمله. كما أن ولديه بشار (24 عاماً) وأحمد (26 عاماً) عاطلان من العمل. يقول عطية لـ "العربي الجديد": "لجأت إلى هذا الخيار بعدما عرفت أسرتي الجوع. وعبر إحدى الإذاعات، طالبت وزارة الشؤون الاجتماعية ضم إسمي إلى برامج الحالات الإنسانية لأحصل على مبلغ مالي كل ثلاثة أشهر، لكن طلبي رُفض".

قست عليه الحياة (محمد الحجار) 


لذلك، خرج إلى الشارع لبيع أثاث البيت، "لأنني أرفض السرقة والسجن. لست الجائع الوحيد في القطاع، إذ أن مئات آلاف سكان قطاع غزة جائعون. لكنّني أملك صوتاً رفعته في الشارع من دون خجل. آخرون لا يملكون صوتاً لأنهم ضحية خلافات سياسية".

صفوت الطنان (36 عاماً) من سكان مخيم جباليا شمال القطاع. عرض أثاث منزله للبيع على صفحات معنية في بيع السلع على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن يضطر للنزول إلى الشارع. باع كلّ أثاث بيته واضطر للسكن في منزل والدته، التي تعتمد على راتب والده.
الطنان عاطل من العمل منذ ثلاثة أعوام، وهو أب لأربعة أطفال. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبح أطفالي يتمنون أكل الجبن، وقد ملوا العدس والفول والأرز الأصفر الخالي من الدجاج. لجأت إلى بيع أثاث المنزل بعدما خسرت كل ما أملك من مال. في الوقت الحالي، أتناول وعائلتي الطعام في منزل والدتي".

في انتظار الزبائن (محمد الحجار) 


أما محمد شبير (45 عاماً)، فلم يعد يملك أثاثاً في منزله لبيعه. كان قد باع كلّ أثاث منزله بعدما طلّق زوجته نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وعرض كليته للبيع في بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بعدما زادت مشاكله الاجتماعية وصار الدائنون يطالبونه بالمال، حتى سُجن 31 يوماً ما بين شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز هذا العام. يقول لـ"لعربي الجديد": "لو كان منزلي يصلح للسكن لبعته"، مضيفاً: "بعت كل أثاث منزلي بأقل من ربع ثمنه". على الرغم من ذلك، ما زال عاجزاً عن سداد ديونه. "كنت تاجر أقمشة ما بين عامي 2002 و2015، وأدركت أن أرخص شيء في غزة هي النفس البشرية. أعلنت عن بيع كليتي لأسدد ديوني فقط وأرتاح من ملاحقة الناس لي".