فساد إهدار الموارد

فساد إهدار الموارد

21 أكتوبر 2018
حق الأجيال اللاحقة في التمتّع بهذه الموارد مهدّد (الأناضول)
+ الخط -
يرتبط ذكر الفساد، أيّاً يكن نوعه، باستبداد القادرين على الإفساد من أصحاب السلطات، بيد أنّ الفساد الأكثر أثراً هو إهدار الموارد وأفدحها ما يطاول حق الأجيال اللاحقة في التمتّع بهذه الموارد.

ما يحدث في الدول النامية بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يُعَدّ فساداً مع سبق الإصرار والترصّد، إذ إنّه كلّما فرغت يد مسؤول فاسد راح يوجّه بصره وكامل قواه وسلطته نحو الموارد، حتى المحميّة منها قانوناً، كأنّما ثمّة نصّ خافٍ يقضي بتجاوز القانون لأهل السلطات استثناءً. وكم من مسؤول حكومي زكمت رائحة فساده العالم، ولم يجد من يقف في وجهه، بل تهيّأ له من بطانته من يكتمونه الرشد، ويجسرونه على المزيد لأجل إشباع أطماعهم، يُذكَرونه بما اقترف ليغضّ الطرف عنهم ويعمل على مداراتهم وحمايتهم خوفاً منهم.

من الممكن أن يكون الواحد من هؤلاء تاجراً أو رجل دين أو من الأكاديميين أو الإعلاميين، وقد اختار التخلّي عن ضميره ليخدم السلطان بالباطل، من ضمن مجموعة "الأرزقية" الذين يحرّفون أصل النوايا والقوانين خدمة لطمع المسؤول. وكم من نصٍ "معيب" أو ثغرة في القانون أُهدرت بسببها الموارد، وكم من قرار أو توجيه "فوقي" داس على القوانين الحامية للمواطن وحقوقه، وكم من مرة خرج علينا "أرزقي" فاسد استمرأ التمرّغ تحت أقدام السلطان ليقول ما هو بخلاف إيمانه شخصياً وما هو ضد العلم والدستور نفسه.

تقضي الشعوب المقهورة عشرات السنين وهي تتفرّج على حقّها يُغتصب في كل يوم، وكلمة الشرف والحق تُطمر في أوحال أطماع من كنّا نحسبهم من أهل الرأي القويم والانتماء الحقيقي إلى البيئة والإنسان، غير أنّ إفسادهم ظلّ يحدّث عن نفسه كلما فقدنا مورداً وحقاً بيئياً.

في الأمس القريب، حاول البعض التعدّي على أكبر غابة سنط في العاصمة الخرطوم، يعدّها البيئيون رئة المدينة وبالوعة التلوّث الهوائي الوحيدة، ذلك لأنّ موقعها الفريد عند ملتقى النيلَين الأبيض والأزرق أسال لعاب المستثمر الذي فكّر في تحويل موقعها إلى ملاعب غولف وفنادق، إلا أنّ وحدة رأي البيئيّين أحالت الأمر إلى قضية رأي عام فانتصرت إرادتهم وتحوّل المشروع بعيداً عن الغابة.

اليوم، تستعرّ الحرب مجدداً بين سلطات إحدى ولايات وسط السودان وبين المعنيين بشؤون الغابات حول غابات السنط النيلية التي يزمع المسؤول هناك تحويلها إلى بساتين مانغو وموز تملأ خزينته بأموال الصادر، متجاهلاً الدور البيئي وكذلك الاجتماعي الكبيرَين لتلك الغابة ومتحدياً قانون حجزها.




وها هم القانونيون والبيئيون والمنتسبون إلى هيئة الغابات يجمعون على أنّه ليس من حق أيّ سياسي تحويل أغراض هذه المحميات الطبيعية. فهل ينجح المسؤول في مواصلة التحدي ليتمكن من هزيمة الحاكمية البيئية أم ينتصر هؤلاء مجدداً؟

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون