الاحتلال يدفع فلسطينيين إلى كهوف خربة المفقرة

الاحتلال يدفع فلسطينيين إلى كهوف خربة المفقرة

18 أكتوبر 2018
في كهوف مماثلة يسكن أهالي الخربة (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
حياة بدائية هي تلك التي تعيشها عائلة محمود الطحان في كهف مساحته 220 متراً مربعاً، في خربة المفقرة الواقعة شرقيّ مسافر يطا بمدينة الخليل جنوبيّ الضفة الغربية المحتلة. في الكهف الذي ورثه عن أجداده، يصمد الطحان وعائلته أمام أطماع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسرقة الأراضي في المنطقة بهدف توسيع المستوطنات.

تتألف عائلة الطحان من 12 فرداً، خمسة منهم متزوجون ويعيشون في الكهف ذاته. أمّا ابنه الأكبر فيملك بيتاً خاصاً به، إنّما بلا ماء ولا كهرباء. سلطات الاحتلال تفرض قيوداً مشددة على طرق عيش أهالي خربة المفقرة البالغ عددهم نحو 90 شخصاً موزّعين على 18 عائلة، وتحاول تنغيص حياتهم بغرض تهجيرهم من مساكنهم والسيطرة على أراضيهم. في السياق، يقول الطحان لـ"العربي الجديد": "أرفض تهجيري من أرضي ومن الكهف البدائي الذي أعيش فيه منذ عام 1995. وأنا كنت قد رفضت الرحيل إبّان تهجير سكان المسافر (1999 - 2000) وبقيت في أرضي لأنّ الفلسطيني لا بديل له عن تلك الأرض".

والطحان الذي يعيش حياة بسيطة ويعتمد على تربية المواشي والمحاصيل الزراعية، يُعَدّ نموذجاً لكل عائلات الخربة التي تصرّ على البقاء صامدة في أرضها على الرغم من تهديدات الاحتلال. ويخبر أنّ "قوات الاحتلال سبق أن هدمت منزلاً كان قد بناه الطحان لأحد أبنائه"، متحدثاً عن "الحياة الهادئة في الخربة لولا جرّافات الاحتلال التي تقتحمها بين حين وآخر لهدم منازل شُيّدت بغرض التوسّع، أو بيوت قديمة تمّ ترميمها. من هنا، رأى أهالي الخربة أنفسهم مضطرين إلى العيش في الكهوف بلا مقومّات حياة".



في خربة المفقرة 18 كهفاً سكنياً وحظائر للأغنام، تأقلم أهالي الخربة معها في ظلّ اعتداءات جيش الاحتلال المتكررة على مساكنهم، إلى جانب 12 منزلاً قديماً مبنياً من الحجر، ستّة منها وُجّهت إلى أصحابها إخطارات حديثة بالهدم. يُذكر أنّ سكان الخربة جميعهم حاصلون على إخطارات هدم وترحيل، ومنازل عدّة تمّ ترميمها مهدّدة في الوقت الحالي بالدمار تحت عجلات الجرافات. تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة مسجداً هُدم مرات عدّة بذريعة البناء من دون ترخيص، أولاها في عام 2011 قبل أن يُعاد بناؤه ويُهدم ثانية في عام 2012. وفي بداية العام الجاري، هُدم للمرة الثالثة وبُني من جديد، ليحصل أخيراً على إخطار بالهدم. وقد حرمت سلطات الاحتلال أهالي خربة المفقرة من التزوّد بالكهرباء عند محاولتهم مدّ شبكة خاصة من خربة التوانة القريبة، فخلعت أعمدة الكهرباء ودمّرتها.

تقع خربة المفقرة بين ثلاث مستوطنات، الأقرب إليها مستوطنة "أفيغال" التي تتميّز بمبانيها العصرية والحديثة والتي تمتد وتتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين هناك. بالتالي، فإنّ سلطات الاحتلال تطمع بالخربة وتسعى إلى طرد أهاليها والسيطرة على أراضيهم وسرقتها لصالح تلك المستوطنة. ويقول منسق اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في جنوب الخليل، راتب الجبور، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أهالي المفقرة يعيشون في الكهوف بسبب القيود المشددة التي تفرضها عليهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتمنعهم من البناء والتوسع. ففي الكهوف يتجنّب الفلسطينيون إخطارات الهدم ووقف العمل والبناء".

ويتحدّث الجبور عن "البيوت المصنوعة من القماش (بيوت الشعر) أو تلك المشيّدة من صفائح الحديد، على الرغم من أنّ الاحتلال الإسرائيلي يهدمها دائماً عند مداهمة الخربة. وقبل أيام عدّة، هدم بيوتاً وصادر معدّات تعود إلى إحدى العائلات". ويلفت إلى أنّ "تلك البيوت لا تناسب حياة الأهالي هناك في الصيف، إذ ترتفع الحرارة فيه إلى أقصاها، كذلك الأمر في فصل الشتاء لا سيّما مع البرد الشديد والأمطار الغزيرة. لذا يعيش الناس في الكهوف بهدف البقاء والصمود".



ويؤكّد الجبور أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى طرد أهالي الخربة والاستيلاء على أراضيهم لمصلحة المستوطنات، بالتالي يجدون أنفسهم ملاحقين من قبل جمعية صهيونية مهمتها مساعدة عناصر الإدارة المدنية التابعة لقوات الاحتلال وتصوير أيّ عملية بناء جديدة في الخربة أو أيّ إضافة هناك. هكذا يُرسل إخطار إلى المعنيين ويُهدم البناء أو يُصادَر".

من جهة أخرى، تُسجّل اعتداءات من قبل المستوطنين على رعاة الأغنام، ويُلاحقون في مراعيهم في حين تُحرَق محاصيلهم الزراعية وتُقطع الأشجار، كون تربية المواشي هي عصب الحياة هناك. هكذا، تسهّل قوات الاحتلال المهمة أمام المستوطنين لشنّ هجمات على نحو 60 شخصاً يعيشون هناك وتهديد حياتهم وملاحقتهم في أدقّ التفاصيل.

ويشير الجبور إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يصنّف موقع خربة المفقرة من ضمن المنطقة المصنفة 918، وهي مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين في مسافر يطا تُعَدّ مصادرة بموجب قرار عسكري بذريعة أنّها منطقة رماية وإطلاق نار. لكنّها تُصادر في الحقيقة لأنّها أراض تصلح لبناء المشاريع الاستيطانية".