برابراند وفولسموسه... "غيتو" العرب في الدنمارك

برابراند وفولسموسه... "غيتو" العرب في الدنمارك

09 يناير 2018
سوق الغرب، أحد أكبر تجمعات العرب هناك(العربي الجديد)
+ الخط -
تُسلط الأضواء على ضاحيتي مدينتي آرهوس وأودنسه: برابراند وفولسموسه، وبالقرب منهما ضواح أخرى. في برابراند، 6 كيلومترات إلى الغرب من آرهوس، الثانية بعد كوبنهاغن، شرع الدنماركيون في أواخر الستينيات في بناء مجمع سكني يسمى "غيلروبباركن" لجذب سكان وسط المدينة إلى شقق أوسع بشرف ونوافذ كبيرة، إلى جانب بنية تحتية متكاملة تعليمية وترفيهية وتسوقية، وتأمين مواصلات مريحة.

وبتدفق اليد العاملة المهاجرة، منذ الستينيات حتى عام 1974، ولم شمل أسرها، وجدت العوائل من تركيا والمغرب ويوغسلافيا السابقة، في هذه الشقق مرادها في حينه. بيد أن تدفق اللاجئين، منذ أواسط الثمانينيات خلق حاجة إلى وحدات سكنية أكثر لهؤلاء. من هنا باتت "برابراند" ضاحية معروفة بجذب الأسر العربية وغيرها. ففيها تنتشر العمارات المسبقة التصنيع من الإسمنت.

هذا الجذب خاض فيه علماء الاجتماع والنفس والثقافات على الجانبين باعتباره مؤقتا في ذلك الوقت، لكنه تحول زمنيا إلى دائم.
انتشرت مساجد (مصليات تعبر عن شتى الاتجاهات، فرقا ومذاهب)، ومدارس عربية-إسلامية، وأسواق بسطات بسيطة في الهواء الطلق، تقام بعد صلوات الجُمع، تعرض المستورد من ألمانيا قبل أن تتوسع، بافتتاح مستثمر دنماركي لسوق كبير يسمى "بازار فيست" (سوق الغرب)، باستيراد مباشر للخضر الطازجة من الأردن، مع توسع الاستيراد، من الخبز حتى البن، وكل ما تعودت عليه العائلات في بلدها الأصلي.
في البازار تنتشر مطاعم ومقاه ومحال تجارية وأسواق لحوم وخضروات وحلاقين وكل ما يخطر بالبال، حتى أن الدنماركيين أطلقوا عليه "إسطنبول الصغيرة".
وظلت هذه المناطق وفية منذ البداية لثقافتها وتقاليدها، بل ليس من الغريب أن تشهد كل مهرجانات التضامن مع قضية فلسطين، بمشاركة متضامنين دنماركيين، كانت هذه التجمعات، وما تزال، مع تزايد أعداد فلسطينيي لبنان تحديدا، خزانا بشريا (بتقدير وجود حوالي 35 ألف فلسطيني في البلد) لنشاطات عديدة وكبيرة بين المجتمع الأوسع. ففي غيلروب كان تأسيس الرابطة الفلسطينية هو الأول من نوعه عام 1996، ثم توالت مؤسسات وجمعيات فاعلة في هذه الضاحية.

لكن، انتشار المشكلات الاجتماعية، بمستويات مختلفة، واتهام الدنماركيين للجيل الأول بالابتعاد عن الاندماج، وغياب اتقان اللغة حتى بعد 10 سنوات إقامة، واستخدام مترجمين لزيارة الطبيب وغيرها من القضايا، مع تضخم نسبة أطفال المهاجرين في ابتدائية "نورغورد"، وإغلاقها نهائيا قبل سنوات بعد وصول النسبة إلى فوق 90 في المائة، ما أعاق اندماج الصغار وتأخرهم عن الدنماركيين، وبحسب دراسات تربوية متخصصة، دفع المشرعون إلى تصنيف "برابراند-غيلروبباركن" بـ"الغيتو".



ويتجادل الطرفان، الأقلية المهاجرة ومجتمع الأغلبية، حول المسؤولية. البعض يتهم الدنمارك بـ"العنصرية والتمييز وانتهاج سياسة تكديس في مجتمعات هامشية"، فيما الدنماركيون يحاججون "هؤلاء يعيشون وكأنهم ليسوا في مجتمعنا، فبعضهم يحيا وكأنه لم يغادر قريته الأصلية في بلده"، كما تفعل دائما وزيرة الهجرة إنغا ستويبرغ.

لكنْ ثمة أطراف، على الجانبين، ترى في تنوع المنطقة "ثراء ثقافيا لموزاييك متعدد الأعراق". ويتفهم البعض انتشار شعور بعض الشبيبة من الجيلين الثاني والثالث بأنهم "مرفوضون بممارسة التمييز"، ما خلق حالة غضب بصفوف الشبيبة التي اتهمت بأنها اتجهت نحو "التشدد".

حظر تجوال ووقف بناء مساجد

تسليط الأضواء على الضواحي خلال 2017 وبداية 2018 الحالي، مع انتشار "حرب العصابات" في ضواحي كوبنهاغن، وانتقالها إلى إسبيرغ في الغرب فجر السبت 6 يناير/كانون الأول، ومحاولات العصابات التوسع بأعمالها منذ صيف 2017 نحو "آرهوس" وإطلاق النار وإصابة عابرين، جعل اليمين المتشدد في "حزب الشعب الدنماركي" يستغل الغضب الشعبي من سياسات الدمج، وانتشار أكثر من 22 غيتو في المدن، لطرح قوانين مشددة.
أثار الحزب جدلا كبيرا بمقترحه بـ"تطبيق حظر للتجوال في غيتوهات بعد الثامنة مساء على من هم دون الثامنة عشرة ووقف إنشاء أي مسجد جديد". جدل لم يخفف منه رفض حزب "التحالف الليبرالي" المشارك في حكومة ائتلاف يمين الوسط بزعامة لارس لوكا راسموسن، الذي عبر حزبه "فينسترا" عن "إمكانية مناقشة هذا المقترح لمكافحة الجرائم في الضواحي، ومنع تشكل المجتمعات الموازية".
يوم السادس من يناير، وإثر ضجة كبيرة في صفوف الدنماركيين، وخصوصا تساؤل مستهجن لوزيرة الثقافة، من الليبرالي، ميتا بوك: "حظر تجوال في الدنمارك بعد الثامنة. هل نحن في الدنمارك"؟ وشعور سكان الضواحي ومؤسساتها بأنها مستهدفة".
ولم يتردد بعض السكان في الحديث لـ"العربي الجديد"، حول اتهام "الدنمارك تمارس عنصرية... (رئيس الوزراء لارس لوكا) راسموسن يقترح هدم الضواحي، ثم حزب الشعب يقترح حظر تجوال، هل نحن بالفعل في الدنمارك"؟ بحسب ما يتساءل ناشط محلي، من أصل عربي، في منطقة برابراند.
ولم تختلف ردود فعل سكان ضاحية فولسموسه، والتي تعاني من مشاكل اجتماعية كبيرة استدعت تواجدا شرطيا دائما، حيث يعبر القاطنون هناك أيضا عن غضبهم، بل قال بعضهم للصحافة المحلية "لم أعد أطيق أن أعيش في الدنمارك التي أصبحت عنصرية، أفكر بالرحيل حين يكبر أبنائي إلى لبنان"، ونقلت صحيفة بيرلنغسكا كلام هذا الرجل معقبة "تحدث إلينا هذا الرجل الذي رفض ذكر اسمه عبر مترجم رغم أنه عاش في الدنمارك لأكثر من عشرين سنة".

يرى مراقبون أن انتشار الصورة السلبية عن هذه الضواحي يساهم في "تعزيز الصدع بين الضواحي والمجتمع، ويشعر السكان من أصل مهاجر أنهم مهمشون وغير مرغوب فيهم". فيما يقول بعض سكان الضواحي إن "المسؤولية جماعية ومشتركة يجب تقاسمها بين العائلات والمجتمع".

اليسار الدنماركي من جهته يحذر، مع غيره من الخبراء، من أن "محاولة تدخل الدولة في متى يخرج اليافعون ليس من ثقافة الحرية، وهو يضعنا في أخذ الدولة لدور سلطوي على حساب ثقافة وتربية الأسرة".

دلالات

المساهمون