كهرباء العراق... 14 عاماً من السرقة والأزمات

كهرباء العراق... 14 عاماً من السرقة والأزمات

08 يناير 2018
في محطّة لتوليد الكهرباء في بغداد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
انقطاع التيار الكهربائي المتكرر يأتي على رأس شكاوى العراقيين. وهو الأمر الذي أدّى إلى خروج تظاهرات عدّة في مختلف المحافظات اتّهمت الحكومة والقائمين على قطاع الكهرباء بالفساد وطالبتهم بإيجاد حلول

منذ أكثر من 14 عاماً، يعاني العراقيون من أزمة كهرباء، هي واحدة من أبرز الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الغزو الأميركي في عام 2003، والتي لم تتمكّن من تجاوزها، على الرغم من إنفاق نحو 41 مليار دولار أميركي على هذا القطاع، بحسب ما تفيد تقارير رسمية. وهذا القطاع هو من الأكثر فساداً، وفق ما تبيّن ملفات فساد كشف عنها سياسيون عراقيون، في وقت سابق.

ويأتي ملفّ الكهرباء من ضمن 88 ملفّ فساد مدعومة بالأدلة والمستندات، جرى اكتشافها عقب وفاة السياسي العراقي ورئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، أحمد الجلبي. وكان الجلبي قد توفي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بطريقة مثيرة للجدل، على إثر نوبة قلبية تبعت إعلانه عن امتلاك وثائق مهمّة تدين مسؤولين كبارا بعمليات فساد. وقد شكّك مقرّبون منه في سبب الوفاة، وأشاروا إلى أنّه مات مسموماً، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وظهرت على السطح فضائح عدّة في قطاع الكهرباء، منها تعاقد وزارة الكهرباء العراقية مع شركة "باور إنجينز" البريطانية لتنفيذ محطة توليد في مدينة الناصرية (جنوب)، واستيراد توربينات توليد عملاقة تَبيّن عند وصولها إلى ميناء البصرة أنّها لعب أطفال. يُذكر أنّ قيمة الصفقة كانت 21 مليون دولار، في حين تبيّن لاحقاً أنّ الشركة البريطانية وهمية وقد خدعت الحكومة العراقية آنذاك.

وأزمة الكهرباء اضطرت العراقيين إلى الاعتماد على التزوّد بالطاقة من خلال مولّدات أهلية (خاصة) توضع في الأزقة وتوزّع على المنازل والمحال التجارية في مقابل بدل. فالتيار الكهربائي الوطني ينقطع في بعض فترات السنة لمدّة 15 ساعة. وتلك المولّدات راحت تنتشر منذ عام 2004، في حين توفّر وزارة الكهرباء وقوداً مدعوماً لها. لكنّها لا تفي بالغرض، إذ إنّها تتعرّض لأعطال مستمرّة ولا تستطيع توفير الكهرباء على مدار الساعة، أو في كلّ الساعات التي ينقطع فيها التيار الكهربائي الوطني.

تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الخطوة البديلة لم تسلم من السرقة، إذ كشفت وزارة الكهرباء، في وقت سابق، عن ضياع 70 في المائة من الوقود المدعوم المخصص لـ30 ألف مولّد كهربائي أهلي ويُباع في السوق السوداء، ويقف وراء ذلك مسؤولون في الدولة.



شكاوى بالجملة وتعاون مفقود
ويشكو مواطنون عراقيون، لـ"العربي الجديد"، من أنّهم يعانون كثيراً من المولّدات الأهلية. فيقول عمر حامد: "أسدد شهرياً 125 ألف دينار عراقي (نحو 105 دولارات أميركية) كبدل اشتراك في المولّد الأهلي، لكنّني لا أحصل إلا على 15 ساعة من الكهرباء يومياً". أمّا مرام عبد الرحيم، وهي مدرّسة، فتقول إنّ "مشاكل المولّدات الأهلية لا تنتهي"، مشيرة إلى أنّ "أصحاب المولّدات يعلّقون تشغيلها لساعات، ويتحججون باستمرار إمّا بأعطال تصيب مولّداتهم أو بتأخّر وزارة الكهرباء في تزويدهم بالوقود أو بارتفاع حرارة الجوّ التي تؤثّر على المولّد. لكنّهم في الواقع يستفيدون من الوقود المدعوم من خلال بيعه في السوق السوداء". من جهته، يقول هادي الحيالي: "أنا مستعدّ لدفع ضعفَي البدل الذي أسدّده لأصحاب المولّدات الأهلية في مقابل كهرباء مستقرّة. فالأطفال، وكذلك كبار السنّ، يعانون من ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وانخفاضها في الشتاء، عند انقطاع الكهرباء الوطنية، وفي الوقت نفسه انقطاع تيّار المولّد الأهلي لأسباب مختلفة. والحال لم يعد يطاق".

في السياق، ارتأت وزارة الكهرباء، بعدما واجهت ضغوطاً شعبية كبيرة، التعاقد مع شركات لخصخصة توزيع الكهرباء وجباية الأموال. وقد صرّح المتحدث باسمها، مصعب المدرس، في وقت سابق، بأنّ التعرفة وفق هذه الآلية الجديدة سوف تكون "مدعومة من قبل الحكومة بنسبة 94 في المائة". وأوضح أنّ "الهدف من هذه العقود هو حثّ المواطن على دفع الأجور، وجعله يتعامل مع جهة واحدة متمثلة في المستثمر الذي يمثّل الوزارة بجميع ضوابطها وقوانينها".

وتعاني وزارة الكهرباء من عدم تعاون المواطنين عموماً في مجال دفع رسوم الكهرباء الشهرية المستحقة التي تراكمت على العائلات بمعظمها، بالإضافة إلى أنّ عشرات آلاف الوحدات السكنية التي بُنيت حديثاً تجاوزت أصول البناء، نظراً إلى الظروف التي تعيشها البلاد وعمليات النزوح والهجرة. وتجاوزات الوحدات السكنية طاولت خطوط نقل الكهرباء كذلك. وشرح المدرس أنّ المشروع "سيدفع المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك، ممّا سينعكس إيجاباً على ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية"، لافتاً إلى أنّ "الطاقة الكهربائية المتاحة لدى الوزارة حالياً تكفي المواطنين في حال ترشيد الاستهلاك".



الخصخصة هي الحل؟
وكانت وزارة الكهرباء قد بدأت بتجربة مشروع خصخصة قطاع التوزيع والجباية، في يناير/كانون الثاني 2016، في حيّ زيونة شرقيّ العاصمة بغداد. وجاء حينها في بيان لمكتب وزير الكهرباء، قاسم الفهداوي، أنّ "الوزارة بدأت بتطبيق مشروع خصخصة قطاع التوزيع للتخلص من الفساد وضمان التوزيع العادل بين المناطق واستقرار المنظومة الكهربائية"، وأنّها "قسمت مناطق العراق إلى 180 رقعة".

يخبر سكّان في حيّ زيونة، "العربي الجديد"، أنّهم ينعمون بكهرباء مستقرّة وبأسعار معقولة، ويتمنّون تعميم التجربة على كلّ مناطق العراق. من بين هؤلاء سهيلة كاظم، وهي موظفة في وزارة الصحة، تقول إنّ "المشروع مهمّ وأسعار الجباية معقولة، وهي تعتمد على مستوى تشغيل الأجهزة الكهربائية، فكلّما زاد التشغيل ارتفع مستوى الصرف". وتؤكّد أنّ ما تتكلّف به اليوم "أقلّ بكثير من المبالغ التي كنت أدفعها للمولّد الأهلي".

لكنّ الخصخصة في محافظات جنوب العراق، يراها المواطنون العراقيون بمعظمهم هناك عدوّا. وقد خرجت تظاهرات تهدّد بمنع تنفيذها في محافظاتهم بالقوة، وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لشيوخ عشائر يهدّدون مسؤولين محليين ويحذّرونهم من تنفيذ المشروع في مناطقهم.

يقول الشيخ العشائري عباس الشمري، وهو عضو في مجلس شيوخ عشائر محافظة ذي قار (جنوب بغداد)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جميع شيوخ القبائل رفضوا مشروع الخصخصة، وكنت أنا واحداً منهم، إذ برهن لنا مهندسون ومتخصصون في مجال الكهرباء وأعضاء في بعض الأحزاب أنّ الخصخصة مشروع للسرقة لا أكثر، وأنّه سوف يفرض على المواطن مبالغ طائلة". لكنّ الشمري يلفت إلى أنّه "بعد اطلاعي عن كثب على المشروع من خلال أشخاص معنيّين، رأيته أفضل مشروع تُقدم عليه الحكومة، وتأكدت أنّ الذين كانوا وما زالوا يحرّضون شيوخ القبائل والناس في المحافظات الجنوبية، غايتهم سياسية ومنافع شخصية على حساب المواطن".

إلى ذلك، يقول عبد الله السعيدي، وهو صحافي من محافظة البصرة (جنوب بغداد)، إنّ "هياج كثيرين من أهل البصرة وسكان المحافظات الجنوبية، كان بدفع من قبل جهات سياسية". يضيف لـ"العربي الجديد": "كنت حاضراً في عدد من المؤتمرات الصحافية واللقاءات التي جمعت سياسيين وشيوخ عشائر ووجهاء في محافظات جنوبية، وكان واضحاً أنّ سياسيين كبارا، أبرزهم (رئيس الوزراء السابق) نوري المالكي، هم وراء الاحتجاجات الرافضة لخصخصة الكهرباء". ويعيد السعيدي موقف هؤلاء السياسيين إلى سببَين، "أوّلاً انتفاعهم من مشاريع وهمية للكهرباء وعقود تجهيز ونقل تتعلق بالكهرباء يسيطرون عليها، سوف تنتهي كلها في حال نُفّذ مشروع الخصخصة. وثانياً اعتبارهم المشروع دعاية انتخابية، إذ إنّه في حال تنفيذ المشروع ونجاحه بما يخدم المواطن سوف يعدّون أنفسهم مهزومين، في مقابل ارتفاع مؤيّدي رئيس الوزراء حيدر العبادي منافسهم".

وكان العبادي قد صرّح، في مؤتمر صحافي عقده في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بأنّ الجهات التي تثير الرأي العام ضدّ خصخصة الكهرباء، هي مافيات تحصل على مئات المليارات، مستفيدة من المولّدات الأهلية على حساب المواطن، داعياً إلى توعية المواطن العراقي حول أنّ الخصخصة تخدم مصلحته، لا سيّما إذا كان من الطبقتَين الفقيرة والمتوسطة. وقد أشار العبادي كذلك إلى أنّ "الحكومات العراقية أنقفت مليارات الدولارات سابقاً على الكهرباء ولم تحلّ تلك المعضلة، وما زال المواطن مستمراً في الدفع للمولّدات الأهلية". وبيّن العبادي أنّ الخصخصة ستعمل على تفعيل "مشروع الجباية لصالح المواطن بإيقاف الهدر".