إطارات للتدفئة وأمراض في كابول

إطارات للتدفئة وأمراض في كابول

06 يناير 2018
هكذا يحصلون على الدفء (شاه مراي/ فرانس برس)
+ الخط -
أصيب محمد غني بالتهاب رئوي حاد، فقصد الطبيب مرّات عدّة قبل أن يتلقّى علاجاً قوياً بواسطة حقنة مضاد حيوي ويشفى. لكنّ والده، وهو في أواخر سبعينياته، لم يشفَ على الرغم من أنّه مكث أياماً عدّة في أحد مستشفيات أفغانستان بسبب الحالة الصحية نفسها. فاضطر غني وأسرته إلى نقل الوالد إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد، لتلقّي العلاج. والأمر لم يكن سهلاً، إذ تطلّبت عملية الاستشفاء هناك مبلغاً لا بأس به من المال، كذلك بالنسبة إلى تكلفة السفر والإقامة في فندق.

والمرض بحسب ما يقول غني، "ليس نتيجة البرد القارس بل تلوّث البيئة". ويشرح أنّ "التلوّث يزداد مع بداية موسم البرد، إذ إنّ سكان كابول بمعظمهم يشعلون إطارات السيارات وبعض المخلفات المنزلية كالأقمشة والأحذية البلاستيكية للحصول على الدفء. وهو الأمر الذي يخلّف أمراضاً مختلفة من قبيل الربو والالتهابات المختلفة في الجهاز التنفسي والتهاب الحنجرة".

ويخبر غني أنّ والده يتمتّع بصحة جيّدة عموماً، غير أنّه مع حلول موسم الشتاء ولجوء الناس إلى حرق الإطارات والمواد البلاستيكية داخل المنازل للتدفئة، يشعر بضيق شديد في صدره. فيصطحبه في معظم الأحيان إلى المستشفى حيث يتلقّى علاجاً على مدى أيام عدّة. أمّا هذه المرة، فقد أتى الالتهاب حاداً جداً، لدرجة أنّ أسرته ظنّت أنّه سوف يموت.

والد محمد غني ليس الوحيد الذي يعاني، بل ثمّة مئات من الأفغان يصابون بأمراض مختلفة نتيجة حرق الإطارات والمواد البلاستيكية. ويقول طبيب متخصص في الأمراض الصدرية يعمل في مستشفى "ابن سيناء" التخصصي، إنّه "خلال موسم الشتاء يزداد عدد المصابين بتلك الأمراض، وبعضهم بسبب البرد القارس إذ إنّ شريحة كبيرة عاجزة عن الحصول على ما يقيها من البرد نتيجة الفقر. لكنّ الإصابات الكبرى لا تأتي نتيجة البرد إنّما بسبب تلوّث البيئة".

يضيف الطبيب الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّهم يستقبلون في المستشفى المتخصص في الأمراض الصدرية "عشرات المرضى يومياً، جلّهم مصابون بالتهابات صدرية تكون حادة في أحيان كثيرة". ويوضح أنّ "قلة الوعي لدى المواطنين تجعلهم يتأخّرون في اصطحاب مرضاهم إلى المستشفى، إذ يعمدون بداية إلى وصفات منزلية من الأدوية العشبية. وثمّة آخرون يشترون الأدوية من الصيدليات بأنفسهم من دون وصفة طبية. وهؤلاء بعد تدهور حالتهم، يتوجّهون إلى المستشفى، فيكون التعامل معهم أصعب".

ويعيد الطبيب نفسه التلوّث البيئي إلى "أسباب عدّة، من قبيل ازدياد عدد السيارات وعدم مراقبتها، بالإضافة إلى قطع الأشجار وعدم زرع أخرى خلال السنوات الماضية. وتأتي كذلك المصانع في المناطق السكنية والتي صمّمت بطريقة غير تقنية. إضافة إلى كل ذلك، تُحرق إطارات السيارات والمواد البلاستيكية، وهو الأمر الذي يمضي في تدمير البيئة والذي يؤدّي إلى انتشار الأمراض الصدرية". والمؤسف بحسب الطبيب نفسه هو "عدم وجود أيّ رقابة من قبل الحكومة للحفاظ على البيئة. كذلك فإنّ الناس فقراء لا يستطيعون الحصول على الدفء بطرق مختلفة".

وأهل كابول الذين يشعلون الإطارات للتدفئة، هم بأنفسهم المتضررون، لكنّ الفقر أجبرهم على ذلك. من هؤلاء بصير الله الذي يسكن في منطقة كوتي سنكي، والذي تحتفظ أسرته طيلة العام بكلّ ما من شأنه إعانتها على تأمين الدفء من أقمشة وأوان بلاستيكية. ويخبر أنّه "في بداية موسم البرد، أشتري الإطارات وبعض الخشب للتدفئة وكذلك للطبخ"، مشيراً إلى أنّ "أوّل المتضررين من جرّاء دخان تلك المواد هو نحن. لكن، ما الحلّ؟ أنا لا أستطيع شراء الحطب الكافي وليس لديّ سبيل غير ذلك. أعرف أنّه يضرّنا ويضرّ جيراننا، لكنّني لا أستطيع ترك أولادي فريسة للبرد".

من جهة أخرى، يقول بصير الله إنّ "ثمّة مستفيدين من الأمر، من أمثال أصحاب الأحياء السكنية وأصحاب المصانع الذين يستفيدون من تجارة إطارات السيارات والمواد البلاستيكية لتحقيق الأرباح". ويرى أنّه لا بدّ من أن تتصدّى الحكومة لهم وتمنعهم من ذلك وتحاسبهم لأنّهم يلعبون بحياة المواطنين".

فقر وفساد في شتاء أفغانستان
الفقر والفساد سببان رئيسيان للتلوّث في كابول خلال فصل الشتاء. بعض الأفغان يحرقون إطارات سيارات ومواد مضرّة للحصول على الدفء لهم ولأولادهم، أمّا آخرون فيستغلّون ذلك من أجل الحصول على المال، في حين أنّ الحكومة غائبة، إمّا لانشغالها بالملفّ الأمني والاقتصادي أو لأنّها عاجزة عن القيام بأيّ شيء.

المساهمون