مدارس غزة تكرّس عزل ذوي الإعاقة

مدارس غزة تكرّس عزل ذوي الإعاقة

31 يناير 2018
الدمج مطلوب (محمد الحجار)
+ الخط -

تلاميذ غزة ذوو الإعاقة محرومون من أهم قاعدة حقوقية عالمية وهي الدمج الذي يتيح لهم الانتساب إلى أيّ مدرسة. بذلك، هم متروكون للعزل في مؤسسات رعائية

يشتكي عدد من أولياء الأمور في قطاع غزة من بعض المدارس التي ترفض استقبال أبنائهم من الأشخاص ذوي الإعاقة، متذرعة بحاجتهم إلى رعاية خاصة، وهو ما يدفع البعض إلى إرسالهم إلى مدارس وجمعيات عازلة لا تحقق الدمج، ولو أنّها تقدم لهم التعليم. من جهتهم، يرفض أولياء أمور آخرون ذلك لرغبتهم في دمج أبنائهم في المدارس مع غيرهم.

عدد قليل من المدارس استقبل تلاميذ من ذوي الإعاقة الحركية، فوضعهم في فصول في الطوابق السفلية بسبب استخدامهم كراسي متحركة وعكازات، مع عدم توفر منحدرات ومصاعد مجهزة في تلك المدارس. لكنّ العدد الأكبر من المدارس الحكومية والتابعة لوكالة "أونروا" رفض استقبال هذه الفئة.

حازم أبو عودة، والد التلميذ ذي الإعاقة الحركية إسماعيل (8 أعوام) الذي رفضت إحدى المدارس في بلدة بيت حانون استقباله بسبب إعاقته. بررت المدرسة ذلك بحاجته إلى رعاية خاصة، لا سيما في حال رغبته بالذهاب إلى صنابير المياه أو الحمام. يقول أبو عودة لـ"العربي الجديد": "بدأت المعاناة مع إسماعيل عندما رفضته رياض أطفال بحجة أنّه لن يجد راحة بين الأطفال كونه مختلفاً عنهم كما قالت. درس المرحلة بصعوبة في جمعية في مدينة غزة مع أطفال ذوي إعاقة، لكنّي أردت له أن يندمج في المدرسة مع أطفال غير معوقين. لكن،
للأسف صدمت كثيراً أنّ مدارس كثيرة رفضت".

خمس مدارس رفضت استقبال إسماعيل، فتقدم والده بشكوى لدى دائرة التعليم التابعة لوكالة "أونروا" في بلدة بيت حانون، فأرسل معه مدير الدائرة كتاباً يأمر المدرسة الواقعة بالقرب من منزلهم بتسجيل إسماعيل بعد التأكد من "تمكنه من الاستيعاب مثل بقية التلاميذ".
بالرغم من الصعوبات التي واجهها على مدار الفصل الأول كما يشير والده، إلا أنّ الأخير يعتبر أن بقاء ابنه في المدرسة يزيده اندماجاً في المجتمع بدلاً من عيشه معزولاً عن الأطفال وألعابهم.



حال إسماعيل كحال إبراهيم (10 أعوام) الذي كان يتأخر يومياً لمدة ساعة قبل العودة إلى منزله، لأنّه يحتاج إلى من يساعده في النزول من فصله في الطابق الأول أو في الدخول إلى الحمام بسبب عدم تجهيز بيئة المدرسة للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية. هو الأمر الذي دفع المدير إلى إرسال كتاب لوالده كي يحضر هو بنفسه يومياً لمساعدته في النزول والتوجه إلى السيارة التي تقله من المدرسة. لكنّ والده ياسر أبو طحلة لم يستطع تلبية طلب المدير نظراً لانشغاله في دوامه، فحصلت مشكلة مع المدير، وأخذ الوالد ملف ابنه لينقله إلى مدرسة أخرى، لكنّه لم يستقبل في المدارس الثلاث التي توجه إليها. عندها قرر أن يسجل ابنه في إحدى الجمعيات المعتمدة من وزارة التربية والتعليم في برامج التعليم المدرسي المخصص للأشخاص ذوي الإعاقة. يعلق أبو طحلة لـ"العربي الجديد": "لم تسمح لي المدارس بدمج ولدي في المجتمع. هو يحلم في أن يصبح محاميأً في يوم ما. العام المقبل سأفعل المستحيل كي يدخل مدرسة غير عازلة".

العزل يعطل فئة كبيرة من المجتمع (محمد الحجار)

أثارت في شهر سبتمبر/ أيلول العام الماضي قضية التلميذة هديل أبو عون ضجة في الأوساط الغزية، بعدما رفضت مديرة إحدى المدارس الثانوية قبولها بسبب إعاقتها ومرضها بالفشل الكلوي، وهو ما دفع والدها إلى إطلاق حملة ضغط على صانعي القرار في القطاع التعليمي. استجابت وزارة التربية والتعليم لقضية هديل، وسجلتها في المدرسة بعد حملة الضغط التي وصلت إلى الوزارة التي قدمت اعتذاراً إلى والدها، وأعلنت في بيان رسمي أنّها "تقبل التلاميذ من ذوي الإعاقات البسيطة والمتوسطة، وتحاسب من يرفضهم".

تشير الاختصاصية النفسية ياسمين الشوا، الخبيرة في التعامل مع التلاميذ ذوي الإعاقة، إلى أنّ عدداً منهم اضطر للانتساب إلى مدارس مخصصة لذوي الإعاقة، آتين من مدارس حكومية نتيجة عدم تمكن المعلمين هناك من التعامل معهم. تقول لـ"العربي الجديد": "من المفترض أنّ كلّ من درس التربية يتقن التعامل مع كلّ الفئات تعليمياً، لكنّ المدارس نفسها لا تهتم بهذه الفئة، ويبرر مديروها عدم استقبال التلاميذ ذوي الإعاقة بعدم توفر مقاعد لهم".

تشدد الشوا على خطورة مستقبل كثير من التلاميذ ذوي الإعاقة، لأنّ نسبة كبيرة منهم لا تكمل مسيرتها التعليمية، خصوصاً بعد سنّ 15 عاماً، أي عندما يدخل التلاميذ إلى المرحلة الثانوية، في ظل الصعوبات التعليمية التي تواجهها أسرهم وتفضيل بعضها توجيه أبنائها إلى حرف معينة، أو حتى البقاء في المنزل من دون أيّ نشاط تعليمي أو مهني. وهو ما يكرّس نموذج العزل في المجتمع الغزي.