أزمة مصرية... القضاء يفصل بين وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة

أزمة مصرية... القضاء يفصل بين وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة

23 يناير 2018
في أحد المستشفيات الخاصة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

الخميس الماضي، أعلنت وزارة الصحة المصرية غلق مستشفى السلام الدولي في المعادي، جنوبيّ القاهرة، لمدّة شهر غلقاً إدارياً، لـ"خيانة الأمانة"، وذلك بعدما لم ينفّذ قرار مجلس الوزراء القاضي باستقبال حالات الطوارئ وعلاجها مجاناً. وكان مجلس الوزراء المصري قد أصدر القرار رقم 1063 بتاريخ 23 يوليو/ تموز 2014 الذي ينصّ على أن "تلتزم كل المنشآت الطبية الجامعية والخاصة والاستثمارية، المرخّص بإنشائها طبقاً لأحكام القانون رقم 51 لسنة 1981، والمستشفيات التابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدّة 48 ساعة، يُخيَّر بعدها المريض أو ذووه، في البقاء بالمنشأة على نفقته الخاصة بالأجور المحددة المعلن عنها، أو النقل الآمن لأقرب مستشفى حكومي، على أن تتحمل الدولة تكاليف العلاج من موازنة العلاج على نفقة الدولة، وفي جميع الأحوال لا يجوز نقل المريض، إلا بعد التنسيق مع غرف الطوارئ المركزية أو الإقليمية المختصة أو غيرها، لتوفير المكان المناسب لحالته الصحية".

وبحسب بيان لوزارة الصحة، فقد "جاءت الواقعة (غلق مستشفى السلام الدولي) بعد مساومة أحد المرضى بإيصال أمانة بقيمة نصف مليون جنيه مصري (نحو 30 ألف دولار أميركي)، شريطة حصوله على العلاج اللازم". وكان مريض قد تقدّم بشكوى لوزارة الصحة المصرية، بحسب البيان، ضد مستشفى السلام الدولي "الذي قام بمساومته وأجبره على تحرير إيصال أمانة لصالح المستشفى بقيمة نصف مليون جنيه، ولم يقم بتطبيق قرار مجلس الوزراء باستقبال المرضى بالطوارئ خلال الـ48 ساعة الأولى مجاناً".

وتطوّر الأمر في اليوم التالي، بعد إعلان وزارة الصحة المصرية إغلاق غرف العمليات ومبنى العيادات الخارجية في مستشفى الجنزوري في مصر الجديدة، شرقي القاهرة، لمدّة شهر غلقاً إدارياً، وذلك لعدم مطابقته لاشتراطات مكافحة العدوى وشروط الجودة، بالإضافة إلى مساومة مريض بتحرير إيصال أمانة بقيمة 2000 جنيه (نحو 115 دولاراً). وأوضح بيان الوزارة أنّ القرار الخاص بمستشفى الجنزوري، جاء على خلفية شكوى تقدم بها مريض ضد موظف ساومه وأجبره على تحرير إيصال أمانة لصالح المستشفى، موضحاً أنّ المريض توجّه إلى المستشفى وهو يعاني من جرح قطعي في وجهه استلزم غرزاً جراحية.


وراحت الأخبار وكذلك التعليقات تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مهاجم للمستشفيات الخاصة وسياساتها العلاجية وبين معترض على قرارات الوزارة الآنية التي تضرّ بأحوال المرضى. وقد تداولت وسائل إعلام مصرية أنباءً عن أنّ البلاغ المقدّم ضد مستشفى السلام الدولي يقف خلفه أحد نواب البرلمان المصري، وأنّ المريض مبتور اليد كان قد توجّه أوّلاً إلى مستشفى حلوان الحكومي حيث أجريت له إسعافات أولية ووضعت الطرف المبتور في قالب ثلج "جردل" للحفاظ عليه، قبل أن ينتقل إلى مستشفى السلام الدولي للخضوع للجراحة. وهي الرواية التي لم يتسنّ التأكد من صحتها، لكنّها دُعمت بشهادات أطباء المستشفى وأعضاء مجلس نقابة الأطباء المصريين الذين أكدوا على عدم التهاون مع حالة المريض، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات عاجلة وفورية.

في السياق، نشر عضو مجلس نقابة أطباء الجيزة، خالد أمين، شهادة بحقّ الدكتور مصطفى محمود، الذي أجرى العملية الجراحية للمواطن المبتورة يده في مستشفى السلام الدولي. كذلك فعل الطبيب حسين عثمان، مدير مستشفى السلام الدولي، عبر موقع إعلامي مصري، بعدما أعلن عبر حسابه الخاص على موقع "فيسبوك" عن رغبته في نشر مقال يوضح فيه حقيقة ما جرى. وفي المقال الذي نشره موقع "إعلام دوت أورج"، أكد عثمان أنّ قرار مجلس الوزراء الذي استندت إليه وزارة الصحة في عقاب المستشفى لا ينطبق على حالة المواطن الذي تقدم بالشكوى، وسأل: "هل ينطبق القرار على واقعة المريض ركابي مع مستشفى السلام الدولي؟! قولاً واحداً لا ينطبق، فمجرد استقبال مستشفى حلوان العام للمريض، وإجراء الإسعافات الأوّلية له، وهي وفقاً للمعايير المتعارف عليها في حالته، مجرد إيقاف النزيف والتوصية بما يلزم، أنقذ حياة المريض بالفعل، ونفى عنه صفة مريض الطوارئ. ووفقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء، يستكمل علاجه مستشفى حلوان العام أو ينقله نقلاً آمناً لأقرب مستشفى حكومي، حكومي وليس استثمارياً. وينفي عن الحالة أيضاً صفة الطوارئ بالنسبة لمستشفى السلام الدولي، أنّ حادثة الطوارئ لم تقع في محيط خمسة كيلومترات من موقع المستشفى، وهو ما تنصّ عليه التعليمات التنفيذية لقرار رئيس مجلس الوزراء".

حالة طوارئ في مستشفى آخر (فرانس برس)

وهاجم مدير المستشفى وزير الصحة المصري قائلاً "لا يصدمك في الموضوع كله إلا موقف وزير بدرجة موظف، كان الأولى به أن يدافع عن صرح طبي عريق، يقف مع غيره من مستشفيات القطاع الخاص، بمثابة السند لمنظومة الصحة المصرية الحكومية الخربة، فلا تجده إلا موجِّهاً سهام خيانة الأمانة لمستشفى السلام الدولي. تحرير إيصالات الأمانة عرف موجود منذ زمن في مستشفيات القطاع الخاص، ضمانة لاقتضاء حقوقها من دون أيّ مساومة في مواجهة المرضى العاجزين عن السداد الفوري، فالخدمة الصحية كأمانة مهنية تؤدّى من دون أي تقاعس من أيّ نوع، والمرضى يسددون على أقساط بعد ذلك. وماذا عن حماس الدكتور أحمد عماد الدين راضي وزير الصحة، في واقعة غلق مستشفى السلام الدولي". وتابع: "كنت أتمنى أن أراه حاضراً بنفس القوة، في الرد على شكاوى جميع المواطنين، وخاصة ما يتعلق منها بأوضاع مستشفيات وزارته، مثلما جاء مندفعاً مهرولاً في استجابته لشكوى ركابي وأهله، في مواجهة مستشفى السلام الدولي. وكنت أنتظر نفس الحماس من معالي وزير الصحة بشأن تطوير موارد وخدمات المستشفيات الحكومية في مجموعها، ومنها مستشفى حلوان العام التي استقبل ركابي أولاً، وبما يرفع من مستوى أداء منظومة الصحة المصرية، ويضمن تقديم الخدمة لجميع المواطنين وفقاً لأحدث المعايير العالمية، وذلك بدلاً من تشويه مؤسسة بحجم مستشفى السلام الدولي حاصل على شهادة الاعتماد الدولي في الرعاية الصحية ويشغل مساحة مهمة في القطاع الصحي في مصر".

وفي هذا الإطار، أقامت شركة "الاميدا فاينانشيال ليمتد" المالكة لمستشفى السلام الدولي، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة تطالب بوقف تنفيذ قرار وزارة الصحة رقم 346 الصادر بتاريخ 16 يناير/ كانون الثاني 2018 والقاضي بالغلق الإداري لمستشفى السلام الدولي لمدّة شهر. كذلك طالبت بتعويض قدره 10 ملايين جنيه (نحو 560 ألف دولار)، بسبب الأضرار التي لحقت بالمستشفى على خلفية قرار الغلق وتوقف استقبال كل الحالات المرضية من كل الشركات والبعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية. وقد اختصمت الدعوى رقم 19827 لسنة 72 قضائية، وزير الصحة ومحافظ القاهرة ورئيس حي دار السلام. وجاء فيها أنّ القرار الصادر بغلق المستشفى لمدّة شهر معيب ويشوبه البطلان وغير مطابق للحقيقة والواقع ويهدر حقوق المستشفى.

دلالات

المساهمون