شباب الأحياء الفقيرة... مطالب تونسية قديمة تعود في احتجاجات

شباب الأحياء الفقيرة... مطالب تونسية قديمة تعود في احتجاجات

10 يناير 2018
مواجهات في العاصمة (ياسين القايدي/ الأناضول)
+ الخط -

إلى شوارع تونسيّة عدّة، نزل شباب ومواطنون من مختلف الفئات وهدفهم الاحتجاج. فرفعوا لافتات كتبوا عليها "يا زوالي قاوم قاوم ضد الجوع" و"يا مواطن يا مقموع زاد الفقر زاد الجوع" و"انتفاضة ضد ميزانية 2018" على سبيل المثال لا الحصر.

الاحتجاجات التي تُسجّل في محافظات تونسية عدّة خلال الأيام الأخيرة، اندلعت بمعظمها في مناطق شعبية وأحياء مهمّشة، بدءاً بحيّ الزهور في القصرين وسيدي بوزيد وتالة وقبلي وحيّ التضامن وحيّ الانطلاقة في العاصمة. وتأتي احتجاجات عدّة تُنظَّم نهاراً، واضحة الشعارات تحت عنوان مقاومة غلاء المعيشة ورفض قانون المالية لعام 2018، في حين تأتي تحرّكات ليلية في المقابل بطابع تخريبي. وفي حين ما زالت تلك التحركات غامضة، ترجّح الداخلية التونسية وأحزاب عدّة أنّ عصابات إجرامية تقف وراءها.

وشهدت مدينة جلمة في محافظة سيدي بوزيد أمس الثلاثاء، مواجهات بين عدد من المحتجين عمدوا إلى رشق مركز الأمن هناك بالحجارة، فردّت الوحدات الأمنية بالغاز المسيّل للدموع بهدف تفريقهم. كذلك عمد شباب في حيّ الانطلاقة وحيّ التضامن والمنيهلة أوّل من أمس الإثنين، إلى إشعال الإطارات المطاطية ورمي الحجارة على أعوان الأمن وتخريب ممتلكات عامة ومحلات تجارية والهجوم على عدد من البنوك.

يشرح المتخصص في علم اجتماع الجريمة، الدكتور سامي نصر، لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة صنفَين من التحرّكات الاحتجاجية التي حدثت في المناطق الشعبية في تونس"، مشيراً إلى أنّ "الأصعب في علم الاجتماع السياسي هو التفريق بين ما هو تلقائي وبين ما هو مفتعل، أي التفريق بين الواقعة السياسية وبين الحادثة. واليوم كثرت التساؤلات حول ما يحدث وإذا كان تلقائياً أم لا، أو أنّه بين هذا وذاك". يضيف نصر أنّ "لا أحد يستطيع أن ينكر وجود جانب تلقائي في احتجاجات اندلعت في بعض المناطق الشعبية بسبب حالة الاحتقان والغضب لدى معظم فئات المجتمع".

ويشير نصر إلى أنّ "الاحتجاجات تزامنت مع اقتراب الاحتفال بذكرى الثورة في 14 يناير/ كانون الثاني والتي مضى على ذكراها سبع سنين، مع رمزية هذا الشهر في التحركات الشعبية". ويتابع أنّ "الزيادة الأخيرة في الأسعار لا تتناسب والمقدرة الشرائية للتونسيين وهو ما جعل الكأس تفيض".


يرى نصر أنّ "ثمّة تهميشاً كبيراً اليوم يطاول الشباب الذي يجد نفسه مقصى من أيّ برامج، على الرغم من أنّه أنجز الثورة. كذلك فإنّ أوضاعه لم تتغيّر طيلة سبعة أعوام، وازدادت البطالة في حين توقّفت الانتدابات في الوظيفة العمومية. أمّا أصحاب رؤوس الأموال فلا يستثمرون في الجهات، بالتالي فإنّ احتجاج الشباب تلقائي ومشروع". يضيف أنّ "ما لا يُعَدّ تلقائياً في هذه الاحتجاجات هو خروج بعض المسيرات في المساء والليل بهدف التخريب والتكسير والاعتداء. وهو ما يعني أنّ ثمّة وضعاً منفجراً وثمّة من استطاع استثمار هذا الوضع". ويشرح نصر أنّه "عندما يكون الشعب غاضباً، فإنّه من غير الممكن توقّع أو إخماد الغضب وحالة الهيجان، وهو ما يفسّر أن تكون أعمال التخريب والسرقة قد تبعت اندلاع التحرّكات. وغياب الوعي هو ما يدفع إلى القيام بهذه الممارسات، وثمّة خطط لاستفزاز الأمن لكي يتحوّل الجلاد إلى ضحيّة ويصير استعمال القوة مشروعاً".

يكمل نصر أنّه "عندما تقع حوادث وتتبعها سرقات، فإنّه محاولة استثمارها أمر طبيعي ومفهوم"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة خططاً لاستعادة أجواء وسيناريو ما قبل 14 يناير/ كانون الثاني من تخريب وسرقات ونهب ودمار. وللأسف، ثمّة من يستثمر في أيّ شيء بهدف تحويله لصالحه. فالمهرّبون سوف يحاولون الاستفادة من الوضع لتمرير سلعهم والإرهابيون سوف يستغلون الوضع لتمرير الأسلحة، خصوصاً أنّ أكبر كميّة من الأسلحة خُزّنت في تونس كانت أيام الثورة، بالتالي فإنّ ماكينة الإجرام والتهريب سوف تتحرك. كذلك فإنّ السياسيين الراغبين في تأزيم الوضع سوف يعملون على تعميق حالة الفوضى".

من جهته، يقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفئة التي خرجت للاحتجاج تمثّل جزءاً بسيطاً من الشعب التونسي وهي الفئة الأكثر إقصاء وتهميشاً في مناطق حيّ التضامن والانطلاقة وسيدي بوزيد والقصرَين وهي تُعَدّ خارج منظومة الدولة وتتوزّع في أحزمة الفقر في العاصمة والجهات المحرومة". ويشير إلى أنّ "الدولة تعسّفت بحقّ هذه الفئات وظلمتها ولم تقدّم لها شيئاً، وهي اليوم تجني نتائج سياستها الفاشلة معها، إذ هي بقيت خارج الإحصاءات الرسمية وبرامج الأحزاب والدولة".



ويشدّد بن عمر على أنّ "هؤلاء الشباب تُركوا كذلك فريسة للإجرام والفقر والتهميش، وكانوا خارج المنظومة التعليمية. بالتالي، مورس العنف بحقّهم، وهو ما يفسّر غضبهم"، متوقّعاً أن "تتّجه الاحتجاجات نحو الانحسار والهدوء لتتوقّف تدريجياً، خصوصاً في ظلّ ظهور عصابات إجرامية ونهب وتخريب، وربّما لتفويت الفرصة على هؤلاء وتنظيم التحركات بطريقة أفضل".

يضيف بن عمر أنّ "المرصد حذّر مسبقاً من تنامي الاحتجاجات، خصوصاً أنّ الأسباب أعمق من قانون المالية وغلاء الأسعار. والحكومة، لو أنّها بعثت برسائل مطمئنة من قبيل مراجعة بعض الإجراءات في قانون المالية، ربما كانت لتكون حينها خطوة للإصلاح. لكنّ المشكلة تكمن كذلك في أنّ تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين تزيد الوضع سوءاً وتعقيداً، وهو ما سبق وجرى اختباره في أحداث الثورة وسليانة والقصرين".

في السياق نفسه، يؤكد عضو التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية ومنسّق الحراك الاجتماعي في المكناسي في محافظة سيدي بوزيد، عبد الحليم حمدي، لـ "العربي الجديد" أنّ "المشاريع في معظم الجهات التي شهدت احتجاجات معطّلة، وأنّ الناس تأكدوا بعد صدور قانون المالية من أنّه سوف يمس قوتهم اليومي وأنّه لا انتدابات ولا تشغيل، وهو ما يفسّر انفجار الأوضاع". ويرى أنّ "تحركات الشباب العاطلين من العمل معلنة سابقاً، وقد انطلقت قبل أشهر، وهي مطالب تعود إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول 2011. وما يحصل هو مواصلة للاحتجاجات وتصاعد في نسقها".

ويتابع حمدي أنّ "ثمّة من يحاول استغلال التحركات الاحتجاجية المشروعة من أجل العنف والتخريب، وهي تقريبا شبيهة بأحداث الثورة من نهب وعنف. ولا نعرف إن كانت وراءها مليشيات مأجورة هدفها إخماد أصوات المحتجّين وتشويه تحرّكاتهم مثلما كان يفعل النظام السابق، لأنّ المدافعين عن الحرية والكرامة وطالبي الشغل لا يسرقون ولا ينهبون". وشدّد على "رفض هذه الأعمال والحملات الممنهجة لتشويه التحركات الاجتماعية".