جامعة التجديد: تدابير تركية لمواجهة نادي المسنين

جامعة التجديد: تدابير تركية لمواجهة نادي المسنين

07 سبتمبر 2017
العمر ليس عائقاً (مصطفى سيفتسي/الأناضول)
+ الخط -
آخر خبر يتداوله الأتراك هذه الآونة ربما، هو صرف راتب لربات المنازل، إذ تستمر سياسة حزب "العدالة والتنمية" بتشجيع الإنجاب ومنح الأسر التي لديها ثلاثة أطفال وأكثر منحاً مالية وعطلات أطول، كما تفتح باب "العطايا" على مصراعيه للمسنين الذين يعودون لمقاعد الدراسة، لأن ما بدأ يصدر عن مراكز الأبحاث ينذر تركيا بالدخول في نادي الدول المسنة التي يغلب على سكانها عمر الستين.

وجاء ناقوس الخطر الذي دقه أوزغور أرون، رئيس قسم علم الشيخوخة في جامعة أك دينيز، بمثابة تذكير وإنذار، إذ قال خلال مؤتمر عام حول الشيخوخة "عندما يتجاوز كبار السن نسبة 10 بالمائة من مجموع السكان، فهذا يشير إلى أن المجتمع قد شاخ"، وفي تركيا يشكل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما 13 بالمائة من السكان.

وتشير دراسة التحولات الديموغرافية في السنوات الخمسين الماضية إلى أن عدد السكان تضاعف ثلاث مرات، في حين زاد عدد السكان المسنين سبع مرات. مرحلة الشيخوخة التي أكملتها فرنسا في 115 عاما، وسويسرا في 85 عاما، ستكملها تركيا في الأعوام الخمسة عشر المقبلة.

ومعهد الإحصاء التركي، أدلى بدلوه أيضاً، إذ أشار إلى أن عدد كبار السن الذين تراوح أعمارهم بين 65 عاما فما فوق، بلغ 6.6 ملايين شخص في عام 2016، أو 8.2 بالمائة من مجموع السكان، في مقابل 8 بالمائة في عام 2014، لذا فإن تركيا ليست دولة شابة بوجود نسبة مسنين قريبة من المتوسط العالمي. وعلى الرغم من أنه من الصعوبة مقارنة تركيا بدول مثل موناكو واليابان وألمانيا، حيث يشكل كبار السن في هذه الدول على التوالي 30.4 بالمائة، و26.6 بالمائة، و21.5 بالمائة من نسبة السكان، فإن تركيا لا تزال تحتل المرتبة الـ66 من بين 167 دولة في هذا التصنيف.

وربما يبقى العمر مقياساً أعرجاً، إن لم تؤخذ معايير أخرى بالحسبان، منها مدى السعادة والرضى "65 بالمائة من مسني تركيا يشعرون بالرضى والسعادة"، وربما الأهم مدى فاعليتهم وعملهم.



ويجيب معهد الإحصاء التركي "توركسات" على هذه القضية، عبر نشره أن ما نسبته 11.5 بالمائة من المواطنين كبار السن، يساهمون في القوة العاملة، ما يدلل على أن كبار السن نادرا ما يُوظفون، كما لجهة الرضى، يقول المعهد، في عام 2015 كان 45.6 بالمائة من المواطنين الأتراك كبار السن راضين عن حالتهم الصحية، بانخفاض عن العام السابق الذي بلغت فيه النسبة 47.5 بالمائة. وهذا دليل آخر على أن أنماط حياة الدعة والسكون ليست جيدة لكبار السن.


وتُظهر التوقعات التي قدمها المعهد، أن عدد المسنين في تركيا قد يرتفع إلى 10.2 في المائة بحلول عام 2023، وقد يرتفع أكثر خلال العقد المقبل. ويربط الخبراء هذه التوقعات بانخفاض الخصوبة، والعلاجات الجديدة المتاحة لزيادة العمر.

وهيمنت مدينة سينوب على شاطئ البحر الأسود، شمالي تركيا، على قائمة المدن التي تضم أعلى نسبة من المواطنين المسنين، حيث بلغت نحو 18.1 في المئة عام 2016، وكذلك من حيث أعلى نسبة من الأشخاص الذين يتمتعون بالرضا عن حياتهم، وتلتها مدينة كاستامونو في منطقة البحر الأسود، وتحل ولاية "شرناق"، جنوب تركيا، بأدنى قائمة المسنين، إذ لم تزد النسبة فيها عن 3.2 بالمائة، تلتها هكاري ومن ثم فان الشرقية.

بيد أن الملفت بتركيا، وهو مربط الفرس، تشجيع المسنين على التعلم، وربما بالنتائج والأخبار التي تظهر أخيراً، عن حصول عدد كبير من المسنين على إجازات جامعية، دحضٌ لكل ما يقال عن "مخاطر المسنين" على المجتمع، إذ وبحالات كهذه سيتحولون لنقاط قوة ورافعة تساهم بحلم تركيا خلال مئوية تأسيس الدولة عام 2023.

وتقول الإحصاءات إن المستوى التعليمي للسكان المسنين قد ازداد، وانخفضت نسبة الأميين بين المسنين إلى 21.9 في المائة عام 2015، في حين كانت 29.2 في المائة عام 2011، حيث أكمل حوالي 42 في المائة من المسنين تعليمهم الابتدائي، في حين أكمل حوالي 5.4 في المائة التعليم العالي.

وقبل أن نأتي على نماذج ملفتة لمسنين نالوا شهادات جامعية وهم فوق السبعين، ربما تقتضي الضرورة الإشارة إلى افتتاح جامعة "أك دينيز" في مدينة أنطاليا، برنامجا تعليميا أُطلق عليه "جامعة التجديد" يستهدف من هم فوق الـ60 سنة.

ويقدم البرنامج دورات في علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الأحياء، والتكنولوجيا، والكيمياء والزراعة، والصيدلة، والطب والتاريخ، والفلسفة، والصيانة، والطهو. ويهدف البرنامج إلى تجديد القدرات المعرفية لدى هؤلاء الطلاب. ويقول إسماعيل توفان، مؤسس قسم الشيخوخة في جامعة أك دينيز: "تهدف المبادرة إلى إنعاش التنمية الفكرية والمادية والروحية لكبار السن، حيث يستهدف برنامجنا التعليمي من تبلغ أعمارهم 60 عاما وما فوق. وقد أقمنا إلى جانب عملية التعلم، أيضا بيئة للنقاش. التعلم هو عملية تستمر مدى الحياة. وسيحصل كبار السن لدينا على متعة أكبر في طريقة حياتهم وتحسين نوعيتها. ما نصبو إليه هو المساهمة في تحسين صحة كبار السن".

وأطلق مؤسس قسم الشيخوخة، توفان، شعار "التعلم شفاء وعلاج"، وحث الجامعات في جميع أنحاء تركيا على إطلاق برامج مماثلة لكبار السن، مشيراً خلال تصريحات، إلى أنه لا توجد في جامعة التجديد درجات أو منافسة، فالمهم هو التعلم. وفي نهاية البرنامج الذي يستمر أربع سنوات، سيكون في مقدور كبار السن العودة إلى حياة العمل، وحتى إلى الخدمة في المناصب التنفيذية.

ويضيف: "جامعتنا مجانية، كما أننا نوفر الكتب الدراسية، لدينا 26 محاضراً يشاركون في البرنامج. بدأنا في العام الماضي بستين طالبا، وصل العدد إلى 127 طالبا. ومن بين طلاب الجامعة طلاب حاصلون على الشهادة الثانوية، وخريجو جامعات".

وثمة نماذج بتركيا لا تغيب الوسائل الإعلامية عن تسليط الأضواء عليها، منها ما اتفق الجميع على لقبه "الجد السوبر"، وهو محمد دنيز (77 عاماً)، الذي نال أخيراً شهادته الجامعية الرابعة، بعد أن بدأ رحلة تعليمه العالي وهو بسن 61.

ويقول دنيز، الذي يقطن في إزمير: "تركت المدرسة بعد المرحلة الإعدادية وتعلم اللغتين الروسية والألمانية، وعملت مترجما، ثم في مرحلة لاحقة من عمري أنهيت المرحلة الثانوية بنظام التعليم المفتوح، لكني شعرت أن بإمكاني التعلم واجتياز الامتحانات بسهولة، فدخلت الجامعة وأنا بسن 61، وحصلت حتى الآن، على أربع شهادات جامعية (إدارة مكاتب، تجارة، اقتصاد وآداب اللغة التركية)، وأتطلع اليوم لدراسة الحقوق".

ويوجه دنيز نصائحه للشباب "لا تملوا ولا تيأسوا، اعملوا بجد دائما"، ولكبار السن "لا تضيعوا أوقاتكم في زوايا المقاهي، ولا تجعلوا نهايتكم الموت بالأزمة القلبية وأنتم تلعبون الورق".

المسن حسن شين (83 عاماً)، مثال ثان، إذ اجتاز القبول الجامعي العام الفائت، ليلتحق بالعام الدراسي المقبل بقسم "العدالة" بنظام التعليم المفتوح في جامعة الأناضول. وحصل شين، الشرطي المتقاعد من ولاية آيدن، على تعليمه الإعدادي والثانوي بداية عقب تقاعده من عمله، ليلفت نظر الإعلام حين تقدم أخيرا لامتحان القبول الجامعي للتعليم المفتوح، في جامعة عدنان مندريس بولاية آيدن، وخاصة أن أغلب المتقدمين للامتحان كانوا من شريحة الشباب.

ومثالنا الأخير، رغم كثرة الأمثلة، إنجي أربكان (74 عاماً)، والتي حصلت العام الفائت على البكالوريوس في الحقوق من جامعة "آق دنيز" بولاية أنطاليا، جنوبي البلاد. تقول أربكان، بعد 7 سنوات من الدراسة الجامعية، إنها لم تجد شيئاً لتفعله قبل ذلك، مستدركة بأنها تساءلت في المرحلة الأولى عما إذا كانت تستطيع إكمال دراستها الجامعية، لافتة إلى أن زملاءها في الجامعة كانوا ينادونها بـ"خالة" أو "أمي" ولم يصدقوا بالبداية أنها طالبة بالجامعة.

المساهمون