عائلات سورية... الاجتماع في "أوطان" بديلة

عائلات سورية... الاجتماع في "أوطان" بديلة

07 سبتمبر 2017
هل تلتقيان بعائلتيهما قريباً؟ (مات كاردي/ Getty)
+ الخط -
تشتّت العائلات السوريّة منذ بداية الأزمة السورية المستمرّة حتى يومنا هذا، قد يكون من أسوأ ما خبرته البشريّة في تاريخها الحديث. فقد تشرّد السوريون بالملايين داخل البلاد وخارجها بحثاً عن استقرار بعيد عن الصراع. وصار هؤلاء غير قادرين على الاجتماع ببعضهم بعضاً إلا في عدد قليل من الدول، وهو أمر يتطلّب مبالغ ماليّة كبيرة. بالتالي يصير اللقاء حلماً بعيد المنال في ظلّ سوء أحوال هؤلاء الماديّة.

أبو زياد، تجاوز السبعين من عمره، يخبر "العربي الجديد" بأنّه وزوجته يعيشان "وحيدَين في منزلنا في دمشق. لدينا ابنان، الأوّل سافر إلى إحدى دول الخليج العربي في عام 2010. وهو، وكأيّ شاب سوري، كان يحلم ببلد يحفظ كرامة أبنائه، فصار انطلاقاً من عام 2011 يتعاطف مع المتظاهرين ضدّ النظام وينتقد العنف المفرط الذي يمارسه، ويعبّر عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فرفع رئيس عمله السابق تقريراً إلى الأجهزة الأمنية السورية، فجرى تعميم اسمه وحُرم من دخول البلاد، إذ أصبح مطلوباً. هكذا، حُرمنا من رؤيته في منزلنا لمجرّد رأي صرّح به في العالم الافتراضي، وهو ما يضطرنا إلى اللقاء خارج سورية. وبعدما كان يقضي إجازته السنوية بيننا هنا، لم أتمكّن من رؤيته إلا مرّتَين خلال الأعوام الخمسة الأخيرة خارج الحدود". يضيف: "ولأنّ لقاءنا مكلف مادياً، لا نستطيع السفر في كلّ عام، على الرغم من أنّنا نختار لبنان الأقرب إلينا". ويتابع أنّ "ابننا الثاني هاجر، اليوم، إلى إحدى الدول الأوروبية، وقد لا أتمكّن من رؤيته مجدداً قبل أن أموت".

من جهته، يخبر يحيى، وهو شاب مغترب في إحدى دول أميركا الجنوبية "العربي الجديد"، بأنّه لم يلتقِ بعائلته منذ ثلاثة أعوام. يضيف أنّ "أخي يعيش اليوم في إحدى دول الخليج العربي، ونحاول أن نلتقي هذا العام وإنّما خارج سورية. فنحن قد نُقاد إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية بمجرّد دخولنا البلاد، وقد سمعنا عن كثيرين أُجبروا على القتال بعد دخولهم". ويشير إلى أنه "لم نقرّر بعد مكان اللقاء، إذ الخيارات محدودة جداً. فقليلة هي الدول التي تمنح السوريين تأشيرة دخول اليوم، لذلك قد تنحصر خياراتنا بلبنان والسودان". ويشير إلى "مشكلة، إذ إنّنا لن نتمكّن من لقاء إخوتي وأخواتي. بعضهم لا يستطيعون الخروج من البلد لأنّه مطلوب للخدمة العسكرية، في حين أنّ لأخواتي أسرهنّ، وليس في الإمكان تأمين تكاليف خروج أكثر من 20 شخصاً. لذلك، فإنّ اللقاء سوف يقتصر على والدي ووالدتي، على الرغم من أنّ السفر مجهد لهما بسبب تقدمهما في السنّ". ويسأل يحيى: "هل من الممكن أن نكون قد حرمنا من بلدنا وأهلنا إلى الأبد؟ لا أعلم إذا كانت الفرصة سوف تتاح لي لكي ألتقي من جديد بباقي أفراد عائلتي وأصدقائي ومنزل العائلة الذي أحنّ إليه".



أمّا أمّ جواد، وهي امرأة ستينيّة زوّجت ابنتها قبل نحو عامَين إلى شاب سوري لجأ إلى دولة أوروبية، فتقول: "لا أعلم إن كنت سوف أرى ابنتي ومولودها في هذا البيت قبل أن أفارق الحياة". هواجس كثيرة تقلقها وهي تتشوّق إلى رؤية حفيدها. تضيف لـ"العربي الجديد": "زوج ابنتي لا يستطيع العودة إلى سورية، فهو كان ناشطاً في مجال الإغاثة واتّهمه النظام بتمويل الإرهاب لمجرّد أنّه كان يوزّع بعض المواد الغذائية على العائلات المتضرّرة من الأحداث أو التي فقدت معيلها الذي إمّا اعتقل وإمّا قتل". وتشير إلى أنّ "فكرة لقائهم في ماليزيا تراودني. لكنّهم لا يستطيعون تحمّل كامل التكاليف المالية، لذلك أحاول أن أتدبّر تكاليف سفري وإقامتي. وأظنّ أنّه بعد ذلك لن أتمكّن من رؤيتهم من جديد إلا بعد مضيّ سنوات طويلة، إذا بقيت الأوضاع في البلاد على حالها".

أمّ عامر، المهجّرة من مضايا إلى إدلب منذ عامَين، تعاني كذلك. وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعدما اخترت البقاء في مضايا وأرسلت أبنائي إلى لبنان، كان لديّ أمل بألا يطول الحصار والقصف فيعود أبنائي. لكنّ الحصار لم ينتهِ إلا بتهجيرنا، فأملت أن ألتقي بأولادي إمّا في تركيا أو لبنان. حاولت مرّات عدّة الدخول إلى تركيا، لكنّني فشلت. وبات أمل اجتماعنا ضعيفاً جداً خارج البلاد، لذا أحاول اليوم حملهم على المجيء إلى إدلب". بالنسبة إليها، فإنّ "هذا هو الحل الوحيد".

في سياق متّصل، يخبر أبو محمد، وهو سائق سيارة أجرة على خط دمشق بيروت، أنّه "لا يمرّ أسبوع من دون أن أقلّ عائلتَين أو أكثر إلى لبنان للقاء أبنائهم. البعض يبقى لأيام والبعض الآخر لأسابيع، حتى يُخيَّل إليّ أنّه لم يبقَ شباب في سورية". ويلفت إلى أنّ "عائلات كثيرة تخرج بناءً على حجز فندق، وفي أحيان كثيرة نقرضهم ألف دولار أميركي ليبرزوها على الحدود".

إلى ذلك، يقول الناشط الحقوقي عماد الدمشقي لـ"العربي الجديد"، إنّ "كثيرين من أبناء الشعب السوري هُجّروا أو هاجروا خلال السنوات الأخيرة. ونظراً إلى صعوبة العثور على فرصة ما، راح كلّ فرد يبحث عن مكان يؤمّن له الحد الأدنى من الاستقرار والعيش الكريم. فتتشتت العائلات، لدرجة أنّه من الممكن أن يسكن كلّ واحد من الأبناء في دولة مختلفة، في حين يكون الوالد في أخرى والوالدة في ثالثة". ويتحدّث عن عائلة يعرفها، "الوالد وابن وابنة في تركيا، في حين أنّ الوالدة والابن الثاني في ألمانيا. وهم على هذه الحال منذ سنوات، من دون أن يتمكّنوا من اللقاء ولو لمرّة واحدة".

ويشير الدمشقي إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً من بين الذين تركوا سورية، يخشون العودة لأسباب أمنية، لا سيّما إن كانوا من إحدى المناطق المناهضة للنظام. فهذا الأمر وحده تهمة كفيلة باعتقالهم لأشهر، إلى حين التأكد من أنّهم ليسوا على علاقة بمناهضة النظام". يضيف أنّ "ثمّة من يخشى من بين هؤلاء أن يُساق إلى الخدمة العسكرية الإجبارية أو الاحتياطية، وقد سبق أن وُثّقت حالات في هذا الإطار". ويتابع أنّ "كل ذلك دفع بالعائلات إلى خيار الاجتماع خارج البلاد، وكلّ بحسب وضعه المادي أولاً وثانياً وفقاً للدول التي ما زالت تمنح السوريين تأشيرات دخول إلى أراضيها".