"قهوة أبو السعيد" في غزة

"قهوة أبو السعيد" في غزة

24 سبتمبر 2017
يبيع القهوة (محمد الحجار)
+ الخط -

كان الشاب الغزي إبراهيم سعيد مسعود يعمل في مصر، قبل أن يعلق في غزة ويبدأ مشروعه الصغير "قهوة أبو السعيد"، وهو كشك على الشاطئ.

على كورنيش غزة، قصص كثيرة، الحلو منها والمرّ. يأتي الغزيون إلى الشاطئ في محاولة منهم لتناسي همومهم اليومية. واختار عدد من أصحاب البسطات والأكشاك هذا الشاطئ للعمل، وإضفاء روح عليه. لكلّ واحد منهم أسلوبه الخاص في التعامل مع الزبائن، رغم أن شرطة البلدية تلاحقهم من حين إلى آخر.

على الشاطئ مقهى أبو سعيد، الذي يقصده كثيرون للاستمتاع بالأجواء الطربية. كان إبراهيم سعيد مسعود (31 عاماً) يعمل تاجراً للملابس في مصر، بين مدينتي بورسعيد والقاهرة، منذ عام 2011 وحتى عام 2015. وخلال إحدى زياراته إلى قطاع غزة، لم يتمكن من العودة إلى مصر بسبب الإغلاق المستمر لمعبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وكان مضطراً إلى دفع ثلاثة آلاف دولار للعودة إلى مصر، إلّا أنه لم يكن قادراً على ذلك.

بحث إبراهيم عن فرصة عمل في مجاله. فخلال وجوده في غزة، كان قد عمل في مجال تقطيع لحوم الدواجن منذ عام 2000 وحتى نهاية العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة في عام 2009. إلا أن محاولاته باءت بالفشل، لينضم إلى مجموعة العاطلين عن العمل في القطاع.

قبل عام، قرّر بدء مشروع صغير مستعيناً بخبرته في عمل الأكشاك في مصر، فكان مشروعه البسيط "قهوة أبو السعيد"، وهو عبارة عن كشك صغير، إلى جانبه كراسٍ بلاستيكية، ومسجل قديم يبث الأغنيات الطربية. في مصر الكثير من المشاريع الصغيرة المماثلة، والتي يديرها أشخاص. يقول لـ "العربي الجديد": "مصر دولة قائمة على السياحة الداخلية والخارجية. ولو كان الكورنيش خالياً من أي بائع، فلن يأتي إليه أحد ويكون مثل صحراء. لكن إذا ما وجد كرسياً واستمع إلى أغنيات طربية لأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، فسيستمتع بالأجواء الطربية وهواء البحر".

يبتسم وإن لم يحقّق حلمه بعد (محمد الحجار) 


توقف إبراهيم عن البحث عن فرصة عمل، لافتاً إلى أنه في حال العثور على عمل، يكون الأجر متدنياً بسبب قلة الفرص، عدا عن غياب أية ضمانات للعامل. يلفت إلى أن عمله سابقاً في تقطيع لحوم الدواجن كان يمكن أن يتسبب بأذى جسدي له. وفي حال وقوع حادث، ما من تعويضات. يقول: "في غزة، لا كرامة للعامل، ولا أريد أن يذلني أحد".

الأجواء الطربيّة هي أكثر ما يميّز كشك إبراهيم. يشير إلى أنه يعيد إحياء ما يفتقده المستمع من أغنيات طربية لطالما أحبها واعتاد عليها في مصر، موضحاً أنها لم تعد موجودة في المقاهي الشعبية في غزة. لذلك، يجذب مقهاه الزبائن، فيستمعون إلى الأغنيات الجميلة بينما يعد لهم المشروبات الساخنة. حتى إن بعض الوفود التي تأتي إلى القطاع تزور مقهاه، الذي يقدّم صورة جميلة عن المقاهي الشعبية على شاطئ البحر، ويذكّر الناس بالأغنيات الطربية.

إبراهيم، كغيره من أصحاب الأكشاك والبسطات، يتعرّض للملاحقة من البلدية في أوقات كثيرة. وفي بعض الأحيان، يشترط عليه عناصر البلدية عدم وضع كراس أمام كشكه. لكنّه عادة ما يجد صعوبة في الخضوع لتلك الشروط، إذ إنها لا تلبي رغبة زبائنه أو حتى زوار الكورنيش، لأن المقاعد التي وضعتها البلدية قليلة جداً.

يعمل ليلاً ونهاراً (محمد الحجار) 


بنى إبراهيم صداقات كثيرة مع زبائنه، الذين باتوا جزءاً من عائلته. يزورونه يومياً للاطمئنان عليه والحديث عن الهموم والمشاكل اليومية. يلفت إلى أن زبائنه يرتاحون في الحديث إليه. "بيني وبين زبائني علاقة أكبر من بيع وشراء. نتبادل خبراتنا في العمل، وأحكي لهم عن تجربتي في مصر، حيث عملت في مجالات عدة، وعن الأكشاك المنتشرة، والتي اخترتها لتكون مصدر رزقي".

يقول إنه لا يشعر بالسعادة في هذا البلد لكنه يمنحها للناس. كثيراً ما يردّد إبراهيم هذه الكلمات أمام زبائنه، خصوصاً أنه لم ينجح في الحفاظ على حياته الأسرية، واضطر إلى الانفصال عن زوجته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة. في الوقت الحالي، يعيش مع والديه وأشقائه في منزل بالإيجار. لكنّه يحلم بأن يؤسس مقهى طربياً وشعبياً في غزة يكون الأول من نوعه. لكن المشكلة أن عدداً كبيراً من زبائنه هم من موظفي السلطة الفلسطينية، الذين لا يتقاضون رواتبهم كاملة. وبعدما كان بعضهم يقصده بشكل يومي، ويدفع ثمن ما يطلبه من مشروبات شهرياً، توقف عن المجيء بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة، وهذا حال عدد كبير من العائلات في القطاع. مع ذلك، لن يتراجع عن حلمه الذي لا بد من أن يتحقق يوماً ما، خصوصاً أنه استطاع بدأه من الصفر، وقد لاقى استحسان الزبائن.