تعليم خمس نجوم... أقساط المدارس تفوق قدرات المصريين

تعليم خمس نجوم... أقساط المدارس تفوق قدرات المصريين

23 سبتمبر 2017
في إحدى مدارس مصر (محمد حسام/ الأناضول)
+ الخط -

عاماً بعد عام، ترتفع تكلفة التعليم في مصر. ولم تعد الشكاوى تقتصر على طبقة معينة من الناس، بل إن الغلاء وارتفاع الأقساط يشمل الجميع، حتى الأغنياء. إضافة إلى الغلاء، يواجه قطاع التعليم تراجع المستوى، خصوصاً في المدارس الحكومية.

صورتان تُظهران وجود أزمة حقيقيّة في قطاع التعليم في مصر، والنتيجة أن أولياء الأمور من كافة الشرائح الاجتماعية يعانون الأمرّين لتأمين مصاريف التعليم. الصورة الأولى تظهر من خلال فيديو نشرته الفنانة الشابة إيمي سالم على صفحتها على إنستغرام، والذي تداوله كثيرون. خلاله، تناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي التدخل للسيطرة على مصاريف التعليم الخاص، هي التي ألحقت أولادها في إحدى المدارس الأميركية في القاهرة، والتي زادت أقساطها بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

تقول سالم إنها أم لثلاثة أطفال، أكبرهم في الصف الرابع ابتدائي، والآخران توأم في الروضة. وتوضح أن المدرسة زادت أقساطها بشكل مبالغ تخطّى 67 في المائة، بعد تعويم الجنيه. "ما أدفعه خلال العام الواحد هو مقدّم لفيلا في كومباوند (مجمع) محترم"، مشيرة إلى أنها لن تذكر المبلغ حتى لا يصاب البسطاء بانهيار عصبي، "لكنني أتحدّث عن خمسة أصفار". وتؤكد سالم أن ما تدفعه يكفي لإدخالهم إلى مدارس داخلية في بريطانيا، مع تذاكر الطائرة، لكنّها ترفض الأمر رغم إلحاح البعض عليها، لأن الأطفال الذين تعلّموا في الخارج فقدوا انتماءهم إلى بلادهم. تضيف أنّ صاحب المدرسة عقد اجتماعاً مع أولياء الأمور، أشار فيه إلى أن زيادة الأقساط في المدارس الدولية تحدده الوزارة، وهي 14 في المائة فقط في العام الدراسي الحالي، ما سيؤدي إلى خسارة تقدر بـ 80 مليون جنيه (أكثر من أربعة ملايين دولار). وفي حال اعترض أولياء الأمور، يقول إنه قد يضطر إلى خفض مستوى التعليم أو الاستغناء عن المدرسين الأميركيين.

الصورة الثانية تخصّ غالبيّة شرائح المجتمع المصري، أو ما كان يسمى الطبقة المتوسطة. على سبيل المثال، فإن عائلة مكوّنة من ثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة تدفع الكثير، عدا عن مصاريف المدرسة الأخرى والدروس الخصوصية والقرطاسية. ويقدر ما تدفعه الأسرة للتلميذ في مقابل الدروس الخصوصية نحو ألف و320 جنيهاً (نحو 74 دولاراً)، إضافة إلى مبلغ 160 جنيهاً (نحو 9 دولارات) في الفصل الواحد لحجز مدرّس في اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، و190 جنيهاً (نحو 10 دولارات) في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء.

معاناة واحدة

في المحصلة، يظهر أن تكلفة التعليم باتت مشكلة أساسية في كل بيت مصري. وبين تدهور التعليم الحكومي المجاني الذي يجبر أولياء الأمور على الاستعانة بمدرسين خصوصيين لأبنائهم، وبين التعليم الخاص ذي الأقساط المرتفعة، يعاني جميع المواطنين في مصر من جراء ارتفاع مصاريف الدراسة. أما المدارس الدولية، فحكاية أخرى.

الفرق بين المدارس الحكوميّة وبعض المدارس الخاصة والدولية هو كالفرق بين السماء والأرض. يجلس نحو 70 أو 80، وأحياناً مائة تلميذ في صف لا تتعدى مساحته 40 متراً مربعاً في مدرسة حكومية. وأحياناً، لا يجد البعض أي كرسي للجلوس. في المقابل، فإن الصفوف في المدارس الدولية مكيفة ومجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية التي توفر مناخاً من الرفاهية، علماً أن العائلة الواحدة قد تدفع نحو نصف مليون جنيه (نحو 28 ألف دولار) في العام الواحد.

حتى أنّ الأهالي الذين اختاروا المدارس الحكومية يعانون أيضاً لتوفير مصاريف الدراسة، علماً أن القسط لا يتعدى المائتي جنيه. لكنّ تكلفة التعليم في مصر لا تُحسب على هذا النحو، إذ أن أولياء الأمور مضطرون إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية لأبنائهم، في ظل ضعف مستوى التعليم في المدارس، عدا عن شراء مستلزمات المدارس من ملابس، والتي ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

في الصف (محمد حسام/ الأناضول) 


مصطفى محمود أربعيني وأب لثلاثة أولاد، منهم اثنان في المرحلة الابتدائية وآخر في المرحلة الإعدادية، وجميعهم في مدارس حكومية. يقول لـ "العربي الجديد": "الله يكون في عون كل أولياء الأمور، مصاريف التعليم صارت صعبة. أولادي في حاجة إلى دروس خصوصية في كل المواد، لأن المدرسة لا تعطيهم شيئاً. في الفصل الواحد 120 تلميذاً، ومدة الحصة 45 دقيقة، ما يعني أن نصيب كل تلميذ دقيقة واحدة أو أقل". يملك مصطفى محلاً صغيراً يبيع فيه المنظّفات الكيميائية في الإسكندرية. ورغم أنه يعدّ من الميسورين، إلا أنه لا يستطيع دفع أقساط المدارس الخاصة. يقول: "لا أستطيع تحمل أقساط المدارس الخاصة. بصعوبة أدفع مصاريف الدروس الخصوصية والملابس والأدوات المكتبية وغيرها".

"مصاريف المدارس في مصر باتت كبيرة"، هذا ما يقوله عبد الرحمن جبريل، وهو موظف يقطن في الجيزة. يضيف: "اضطررت إلى دفع 5 آلاف جنيه (نحو 280 دولاراً) إلى إحدى المدارس التجريبية حتى تقبل إبني. ولا يمكنني إلحاقه بمدرسة حكومية لأن التلاميذ لا يحصلون على أي شيء يذكر".



ويُقبل أولياء الأمور في مصر على المدارس التجريبية، وهي مدارس حكومية أقلّ كثافة، تضم قسماً للغات، كما أن تكاليفها أكبر من المدارس الحكومية. ويذكر أن محافظة الجيزة على سبيل المثال تضم أربع مدارس تجريبية من فئة "المتميز"، ويتقدم إليها كل عام نحو 40 ألف تلميذ، علماً أنها تتسع لخمسة آلاف فقط. ويقدّر عدد التلاميذ في الصف ما بين 40 إلى 50 تلميذاً.

أما سناء التي تعمل في مجال تنظيف البيوت من أجل إعالة أسرتها وأبنائها الثلاثة، تقول إنها لم تعد تستطيع مواصلة تعليم ثلاثة أبناء مع بعضهم بعضاً، لافتة إلى أن الدروس الخصوصية والقرطاسية وغيرها ترهقها. هذه المرأة التي كانت مهتمة بتعليم أولادها، لم تعد تمانع في أن تتزوج إبنتها بعد الإعدادية، أو أن يترك إبنها المدرسة ليساعدها في مصاريف الحياة والمعيشة.

ثلاثة مستويات

ويمكن تقسيم قطاع التعليم في مصر إلى ثلاثة مستويات. المستوى الأول هو التعليم الحكومي، الذي يلتحق به السواد الأعظم من المصريين. وبحسب وزير التربية والتعليم السابق الشربيني الهلالي، فإن عدد التلاميذ على مستوى مصر هو 19 مليوناً ونصف المليون، بينهم 10 ملايين و500 ألف تلميذ يلتحقون بالمدارس الحكومية فقط، و9 ملايين تلميذ لا يجدون أماكن في المدارس الحكومية.

ويقول وزير التربية والتعليم الحالي طارق شوقي إن رؤية مصر لعام 2030، هي إنشاء 100 ألف فصل دراسي خلال الأعوام 2016 و2017 و2018، إضافة إلى 1735 فصلاً في المناطق المحرومة من خدمات التعليم.

وصلن (محمد حسام/ الأناضول) 


أما المستوى الثاني، فهو التعليم الخاص أو "اللغات" كما يسمى في مصر، وتتراوح تكلفة هذه المدارس ما بين 10 آلاف جنيه (نحو 565 دولاراً) إلى 30 ألف جنيه (نحو ألف و700 دولار). وعادة ما تتلاعب تلك المدارس في الأقساط، رغم أن وزارة التربية والتعليم قد حددت سقفاً للزيادة. ويقول شوقي إن الوزارة تستعد لتوقيع بروتوكول تعاون مع أحد المصارف، لسداد مصاريف المدارس الخاصة، بهدف ضبط أزمة التلاعب بالأقساط وحماية أولياء الأمور. ويشير إلى التعميم على المديريات التعليمية بتحديد أسعار الزي المدرسي والنقل استناداً إلى القرار رقم 420 المنظمّ للمدارس الخاصة. لكن يظل هذا الكلام حبراً على ورق، خصوصاً أنّ المتابع لأزمة ومشاكل التعليم في مصر يعرف أن لا شيء يتغير، بل يزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم.

من جهةٍ أُخرى، فإنّ أقساط المدارس الدولية تفوق الخيال، عدا عن كونها تحصل على المال بالدولار أو الإسترليني، رغم قرار وزارة التربية والتعليم بضرورة تحصيل المال بالجنيه المصري. وتتراوح الأقساط ما بين 50 ألف جنيه و400 ألف جنيه (22 ألف دولار).

وكان أستاذ علوم التربية في جامعة عين شمس في القاهرة، حامد عمار، قد لفت إلى أن المفكر والأديب ووزير التعليم الأسبق طه حسين، كان قد أبدى انزعاجه بسبب وجود عشرة أو عشرين مدرسة أجنبية في جميع أنحاء مصر. برأيه، مهما أحب التلاميذ مصر، سيتأثرون في توجهاتها الفكرية. كان يتحدث عن نحو 15 مدرسة وليس نظاماً تعليمياً كاملاً تطور مع الوقت، حتى صار يشمل كافة المراحل التعليمية. ويلفت إلى أن تعددية أنظمة التعليم (الدينية والغربية والحكومية) تعد من أخطر التحديات التعليمية والثقافية والاجتماعية في المجتمع، عدا عن ظهور قيمة المال والتفاوت بين فرص التعليم.

من جهتها، تقول الخبيرة التربوية نيفين شحاتة، تعليقاً على واقع التعليم في مصر وموقف وزير التعليم، إنها غير متفائلة، وما يحدث هو مجرد كلام عن خطط غير واقعية. ولم يلتق الوزير خبراء في المجال التربوي للاطلاع على أفكارهم. كما أن جعل نظام الثانوية العامة ثلاث سنوات يعني أن الأسرة المصرية ستعاني من تكاليف الدروس الخصوصية.

المساهمون