جدال أميركي حول جرائم الإرهاب المحلي

جدال أميركي حول جرائم الإرهاب المحلي

22 سبتمبر 2017
يتظاهرون رفضاً للعنصرية (بلغين س. ساسماز/ الأناضول)
+ الخط -
اعتُبرت عملية الدهس التي نفذها شاب أميركي أبيض (ينتمي إلى النازيين الجدد)، بحق متظاهرين معادين للعنصرية في مدينة تشارلوتسفيل في فرجينيا، محطّة في سجل العنف السياسي في الولايات المتحدة، وإشارة إلى تحوّلات راديكالية يشهدها المجتمع الأميركي، لناحية اللجوء إلى العنف بهدف فرض أجندة سياسية معينة.

إضافة إلى التداعيات السياسيّة والانتقادات بسبب مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أحداث تشارلوتسفيل، ومساواته بين متظاهري اليمين المتطرّف من النازيين والعنصريّين البيض، ومتظاهري اليسار المتطرف، برز سجال قانوني آخر. هل هذه الجريمة جريمة كراهية على غرار الجرائم العنصرية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية، أم أنها تندرج ضمن ما يعرف بظاهرة الإرهاب المحلي التي تلحظها القوانين الأميركية، من دون أن يكون هناك عقوبة جنائية محدّدة تعطي السلطات القضائية والأمنية صلاحيات واسعة على غرار قانون الإرهاب الأميركي الذي أصدره الكونغرس بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

وبحسب القانون الفدرالي الأميركي، فإن جرائم "الإرهاب المحلي" تشمل كل عمل يشكل خطراً على حياة الآخرين، وينتهك القوانين الجنائية الفدرالية أو المحلية المرعية الإجراء، بهدف ترويع السكان المدنيين والضغط من أجل التأثير على قرارات الحكومة. في هذا السياق، تقول الخبيرة في مجال القانون، إليزابيث مايرز، لـ "العربي الجديد"، إنّ القانون الفدرالي يعتبر الأعمال المصنّفة ضمن الإرهاب الدولي تشبه طبيعة أعمال الإرهاب المحلي، مع فرق أن الأولى هي خارج النطاق القضائي للولايات المتحدة، أي أن الاختلاف في التصنيف محكوم بالاعتبارات الجغرافية، وما إذا كانت الجريمة قد وقعت ضمن صلاحيات السلطات القضائية الأميركية.

وحول ما إذا كان يجب التعامل مع جريمة تشارلوتسفيل على أنها جريمة كراهية، أو اعتداء على الحقوق المدنية للأفراد، أو إرهاب محلي، تقول مايرز: "السقف القانوني لوصف عمل ما بالإرهابي هو عال إلى حد ما. ويربط كثيرون بين الإرهاب وبين استخدام العنف لتحقيق هدف سياسي، والتسبب بتداعيات أكبر كالخوف بين المدنيين والضغط على الحكومة".



تضيف أن "قيادة سيارة بسرعة عالية وبشكل مقصود في اتجاه متظاهرين يحتجون بطريقة سلمية بهدف قتل وجرح أكبر عدد ممكن من المدنيين هو عمل ينطبق عليه تعريف قانون الإرهاب المحلي. هدف عمليّة دهس المتظاهرين كان بثّ الخوف في قلوب وعقول المتظاهرين ضد العنصريين البيض، وإبلاغهم أن ممارسة حقهم المدني بالتظاهر ضمن هذه المجموعة سيجعلهم هدفاً لأعمال عنف. القصد السياسي الواضح هو منع الاحتجاج من خلال الترويع. وهذا مثال من أمثلة عدة عن عمليات الإرهاب المحلي. لكنّ تصنيفها ضمن الإرهاب المحلّي لا يعني عملياً أنها أصبحت جريمة فدرالية يعاقب مرتكبها".

وبخلاف جرائم الإرهاب المحلي، فإنّ تطبيق قانون الإرهاب الأميركي على منفذ عملية تشارلوتسفيل كان سيُتيح توسيع التحقيقات بالجريمة، واستدعاء الأشخاص والمجموعات التي ينتمي إليها منفذو العملية. ويُجمع أعضاء من الكونغرس، من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ومسؤولون في إدارة ترامب، على اعتبار جريمة تشارلوتسفيل ضمن جرائم "الإرهاب المحلي".

وتشير مايرز إلى أن سلطات ولاية فرجينيا لجأت إلى عقوبات جنائية فدرالية ومحلية، لمحاسبة منفذ عملية الدهس في تشارلوتسفيل، ووجهت إليه اتهامات بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثانية، إضافة إلى جرائم أخرى تتعلق بالجرحى الذين أصيبوا خلال عملية الدهس، علماً أن تهمة القتل من الدرجة الثانية وحدها قد تصل عقوبتها إلى السجن أربعين عاماً.
في المقابل، فإنّ مئات الأشخاص الآخرين الذين شاركوا في أعمال العنف والمواجهات العنصرية في تشارلوتسفيل، لن يخضعوا لأية تحقيقات أو مساءلة قانونية، علماً أنّ اعتماد معايير قانون الإرهاب الأميركي لمقاضاة المتهمين في القضية كان سيؤدي إلى التحقيق مع الشبان المتطرفين الذين ارتكبوا أعمال العنف، وملاحقتهم قانونياً.

وبسبب ضبابيّة الرؤية القانونية بالنسبة لجرائم الإرهاب المحلي، استعانت السلطات القضائية المحلية، ومكتب التحقيقات الفدرالي في فرجينيا، بالقوانين المحلية لتوجيه اتهامات لمنفذ عملية الدهس. ويتساءل المراقبون عن كيفية تعاطي السلطات القضائية والمحلية في ما لو كان منفذ هذه العملية مسلماً. كانت الدنيا ستقوم وتقعد، وكان القضاء الفدرالي قد سارع إلى إعلان شمول الجريمة بقوانين الإرهاب الأميركي، والتحقيق مع كل من يمت بصلة للمجرم، وملاحقة كل أفراد عائلته وأصدقائه، وكل من تحدث معه خلال السنوات الأخيرة.
التعامل مع جرائم الإرهاب المحلي على أنها فدرالية، سيؤدي إلى حل عدد من الإشكاليات القانونية، وإيجاد مخرج لحالة التخبط القانوني والسياسي التي أعقبت الجريمة.