مهاجرو الطرقات... بروكسل نقطة الانطلاق إلى بريطانيا

مهاجرو الطرقات... بروكسل نقطة الانطلاق إلى بريطانيا

22 سبتمبر 2017
لاجئ في بروكسل (دورسن أيدامير/ الأناضول)
+ الخط -
عادة، وخلال فصل الصيف، يحاول مئات المهاجرين من مختلف الجنسيات الوصول إلى بريطانيا عبر بلجيكا، من خلال الشاحنات المتوقّفة. خطوةٌ باتت تنسحب على مجموعة من المناطق البلجيكية التي لم تكن معروفة لدى المهاجرين من قبل، وهو ما يُقلق السلطات البلجيكية.

من كاليه إلى بلجيكا

هذا الملف بات من أولويات السلطات البلجيكية، منذ بدء تفكيك مخيم كاليه للمهاجرين في شمال فرنسا. ويُدرك البلجيكيون أن العديد من هؤلاء المهاجرين الراغبين في التوجه إلى بريطانيا، سيحاولون الوصول إليها عبر الساحل البلجيكي. ورغم أنّ الموجة المنتظرة لوصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى الشواطئ البلجيكية، لإنشاء مخيم كاليه جديد، لم تحدث، إلّا أن السلطات قلقة إزاء محاولات التنقل عبر الشاحنات. ومنذ يوليو/ تموز من العام الماضي، اعترضت شرطة المرور ألفاً و763 مهاجراً حاولوا العبور إلى بريطانيا عبر الطرقات السريعة البلجيكية، حيث تتوقف الشاحنات المتجهة إلى الضفة الأخرى.

بروكسل نقطة انطلاق

وإذا كان وجود مهاجرين على الطرقات السريعة مشكلة قديمة، فإنها كانت، حتى أمد قريب، تقتصر على المناطق المجاورة مباشرة لموانئ زيبروج وأوستند. لكن منذ نحو عام، اضطرّت السلطات إلى اتخاذ تدابير في مناطق تبعد عن هذه الموانئ، والموجودة شرق البلاد، كمنطقة الفلاندر الشرقية ومدينة أنتويرب ومنطقة برابانت الفلمنكية. وفي بداية شهر يوليو/ تموز، اضطر حاكم منطقة برابانت والون (جنوب البلد)، إلى إصدار مرسوم يمنع الشاحنات الكبيرة من التوقف ليلاً في أحد أهم مواقف الاستراحة.

"لفهم هذه الظاهرة، علينا الانطلاق من بروكسل"، يقول الخبير في شؤون الهجرة بونوا لوموان لـ "العربي الجديد". يضيف: "منذ نحو عام، كان عدد المهاجرين الراغبين في الوصول إلى بريطانيا مستقراً نسبياً. وكان هؤلاء يتمركزون حول المحطة الشمالية للقطارات ومنتزه ماكسيميليان، وبدرجة أقل في المحطة الجنوبية للقطارات. وإذا كانت السلطات ترفض إعطاء تقدير لعدد المهاجرين لأن الوضع قابل للتغيير، تقدّر منظمة أطباء العالم وجود ما بين 200 و300 شخص يعيشون في هذه المناطق في ظروف معيشية صعبة. وهؤلاء يقضون لياليهم في البحث عن شاحنات متجهة إلى بريطانيا، ويحاولون الصعود إليها والعبور إلى بريطانيا".

ربما تقل مهاجرين (العربي الجديد) 


وبحسب لوموان، فإنّ اختيار المهاجرين بروكسل نقطة انطلاق للعبور إلى بريطانيا، يعود إلى أن مضايقات الشرطة أقل هناك مما هي عليه في الساحل، كما أنها أكثر سهولة لإجراء اتّصالات مع المهربين. من جهة أخرى، فإن شبكة السكك الحديد البلجيكية تسمح بالوصول إلى الساحل أو أي مدينة أخرى في البلاد بشكل سهل جداً".

تغيير الواقع

ورداً على العدد المتزايد من التقاريرالمقلقة بشأن تواجد المهاجرين على الطرقات السيارة البلجيكية، اتخذ وزير النقل، بن ويتس، سلسلة من التدابير، منها منع الشاحنات من التوقف ليلاً في بعض مواقف الاستراحة شمال غرب البلاد، وبناء أسوار، والاستعانة بعدد من الأمنيين وكلاب الحراسة والكاميرات. تدابير دفعت جزءاً من المهاجرين إلى التوجّه إلى مواقف الشاحنات في المناطق الجنوبية والشرقية لبلجيكا الأبعد والخاضعة لرقابة أقل من قبل الشرطة"، بحسب مفوض الشرطة في إحدى المدن الصغيرة جنوب بلجيكا وهي وافر، باسكال ديلفورج.

طرقات سريعة (العربي الجديد) 


يضيف: "بدأنا نلاحظ تواجد هؤلاء المهاجرين في المدينة بشكل تدريجي. ربما كانوا يحاولون الوصول إلى الطريق السريع، في وقت أُنزل آخرون من القطارات، لأنهم لم يكونوا يحملون أية تذاكر. لكننا نسعى إلى تغيير الوضع، وقد أوقف 60 شخصاً من قبل الشرطة المحلية خلال أربعة أشهر فقط، عدا عن اعتراض شرطة الطرقات نحو 40 شخصاً".

ويقول رئيس بلدية وافر، جيل ماهيو، لـ "العربي الجديد": "قرّرت التدخل بعد اكتشاف وجود الكثير من القاصرين بين هؤلاء المهاجرين. ذهبت لزياتهم في المناطق التي ينتظرون فيها مرور الشاحنات، فاكتشفت وجود خطر حقيقي، كاحتمال اندلاع النار مثلاً، عدا عن إمكانية إقدام سائقي الشاحنات على ردود أفعال عنيفة".



من جهته، يرفض ماهيو إغلاق مواقف السيارات أمام الشاحنات، مفضلاً "زعزعة استقرار شبكات التهريب. لكنّنا ندرك أننا ربما لا نساهم في حل الملف بشكل فعلي"، مضيفاً: "نكتشف كل يوم أن المهاجرين يتواجدون في مناطق مختلفة، ربما لإجراء اتصالات جديدة والعثور على أماكن بديلة".

خوف من العواقب

ينضمّ عمدة مدينة واريم جنوب البلاد، جاك شابوت، إلى مجموعة من المسؤولين الآخرين، مؤكداً أن "المهاجرين المعنيّين لا يخلقون أية مشاكل، حتى عندما تعترضهم الشرطة"، مضيفاً أننا "نخشى أن يسوء الوضع، ويتكرر سيناريو مخيم كاليه". ويقول: "ليس هناك أي توتر. الصعوبة الرئيسية تكمن في حاجز اللغة. قبل عشرة أيام، تلقيت معلومات عن إصابات بمرض السل، ما يشكل خطراً على الأمنيين العاملين في هذا المجال". ويشدّد على أن "المهاجرين معرضون للخطر، عدا عن تأثير الظروف المعيشية على صحتهم. لا يمكن استبعاد خطر الحوادث على الطرقات السريعة، وردود الفعل العنيفة من سائقي الشاحنات".

تجارة مربحة

يتحدّث لوموان عن محاولات عفوية كثيرة للوصول إلى الضفة الأخرى، لافتاً إلى أن "بعض الأشخاص الأكثر خبرة يقدّمون معلومات للآخرين". يضيف: "من الواضح أن هناك عملاً منظّماً منذ البداية. كسرت السياجات المعززة، وهذا يتطلب إمكانيات لا يملكها المهاجرون. إذاً، يتمحور السؤال حول المهربين وكيفية عمل الشبكات".

وترفض الشرطة والسلطات الإجابة عن هذا السؤال، مكتفية بالقول إن "التحقيقات جارية". وفي يناير/ كانون الثاني في عام 2016، اعتقلت شبكة تضم مهربين أكراداً في منطقة الفلاندر الشرقية. وبحسب المعلومات المقدمة في ذلك الوقت، ساعدت الشبكة ثلاثة آلاف شخص على الوصول إلى بريطانيا عبر بلجيكا، أي عشرون شخصاً يومياً، وذلك من خلال شاحنات تعبر الطرقات السيارة، في مقابل 2000 يورو للشخص الواحد. نسبة كبيرة من المهاجرين قدمت من إريتريا والصومال، اللتين تتمتعان بدرجة عالية من الاعتراف بالحماية الدولية. كما أن بعض المهاجرين هم من أصول عربية. فالمهاجرون الذين يحاولون العبور إلى بريطانيا يعتمدون على مواطنين يقدمون لهم مساعدات ضرورية، بالتعاون مع منظمات تعمل في مجال دعم المهاجرين.

المساهمون