حرص على جودة الحياة في تونس

حرص على جودة الحياة في تونس

21 سبتمبر 2017
علاج بالألوان (العربي الجديد)
+ الخط -

"راح ينسى الأماكن. فراح ينسى وجهته وينسى من أين أتى. وراح ينسى بعض الأسماء ولم يعد يستطيع التمييز بين أفراد العائلة وبين الغرباء عنها. ظننا أنّها مؤشرات إلى التقدّم في السنّ، لكنّنا لم نفكّر قطّ بأنّ والدنا قد يكون مصاباً بالألزهايمر". هكذا تختصر مفيدة عامري حالة والدها محمد، مشيرة إلى أنّ عائلتها لم تكن تعلم ما هي أعراض مرض ألزهايمر، "فالمعروف والشائع لدى معظم التونسيين هو أنّ أعراض النسيان أو الهذيان تُطلق عليها تسمية الخرف ليس إلا".

حين بدأ الوالد محمد قبل نحو ثلاثة أعوام، ينسى أسماء أبنائه ويعجز عن التعرّف على كثيرين من معارفه عندما يجالسهم في حين يسأل أحياناً عن أشخاص متوفّين، رأت عائلته نفسها مضطرّة إلى نقله إلى المستشفى للتأكد ممّا يشكو، "فشُخّصت حالته بالألزهايمر وأصبحنا متيقّنين بأنّه في حاجة إلى رعاية ومرافقة مستمرتَين، لكنّنا لم نكن قادرين على تأمينها له بحكم التزامات كلّ واحد منّا".

وعدم التعرّف على الألزهايمر لدى الوالد محمد أمر عادي في عائلات تونسية كثيرة ما زالت تجهل حقيقة طبيعة هذا المرض الذي يصيب اليوم أكثر من 50 ألف تونسي، بحسب ما يشير الدكتور رياض قويدر رئيس قسم الأعصاب ومركز الألزهايمر في مستشفى الرازي ورئيس الجمعية التونسية لطب الأعصاب. ويشرح قويدر لـ"العربي الجديد" أنّ مرض ألزهايمر الذي "يصيب المسنّين يمسّ الذاكرة ويتفاقم تدريجياً، من دون أن تعي العائلات بمعظمها أوضاع هؤلاء واحتياجاتهم ومدى إصابتهم إلا في وقت متأخر". يضيف أنّه "على الرغم من توفّر أدوية تخفف من حدّة المرض وأعراضه الجانبية، فإنّه لا يوجد علاج للقضاء عليه"، لافتاً إلى أنّ "التكفّل بهذا المرض باهظ الثمن ويتسبب بمشكلات لدى عائلات كثيرة يعاني أحد أفرادها من المرض".

ويوضح قويدر أنّ "عدد المسنّين في تونس يرتفع أكثر فأكثر، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع معدّلات أمراض الشيخوخة، خصوصاً الألزهايمر. فآخر الإحصاءات لعام 2014 تفيد بأنّ عدد هؤلاء بلغ نحو مليون مسنّ، مع توقّعات بتضاعفه بحلول عام 2030". وإذ يقول إنّ "ارتفاع عدد المصابين بهذا المرض يستوجب تفعيل مخطط الألزهايمر"، يؤكّد على أنّه "كلما كان التشخيص مبكراً فإنّنا نتمكّن من التدخّل المبكر لتحسين الوضع المعيشي للمريض والمحيطين به". ويتابع أنّ "الإصابة بالألزهايمر لا تقع فجأة بل تدريجياً على مدى سنوات".

من جهتها، تشير رئيسة الجمعية التونسية لمرض ألزهايمر، ليلى علوان، لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "نحو 3.6 في المائة من الأشخاص الذين تخطّوا 60 عاماً يُصابون بهذا المرض. والعدد بات مرتفعاً بحسب تركيبة المجتمع المتّجهة نحو الشيخوخة مع ارتفاع نسبة المسنّين". وتؤكّد في السياق على أنّ "المريض يتطلب عناية تتجاوز مجرّد علاج دوائي. فهو يحتاج إلى مرافقة مستمرة ومساعدة طبية دائمة".

تحاول إرشادها (العربي الجديد)


إلى ذلك توضح علوان أنّ "الجمعية التونسية لمرض ألزهايمر لا تهدف إلى علاج المرضى، بل دعم العائلة التي تضمّ مريض ألزهايمر عبر تقديم مساعدات على الصعيد النفسي وتوجيه المرافقين إلى طرق التعامل مع المرضى. فالألزهايمر لا يعاني منه المريض فقط، بل المعاناة الحقيقية هي للعائلة وتأتي على أصعدة عدّة نفسية وجسدية ومادية". وهو ما يؤكّده من جهته عبد المنعم الزايري الذي يهتمّ وعائلته بوالده منذ أكثر من سنتَين بعد تشخيصه بالألزهايمر، مشيراً إلى أنّ "زوجتي اضطرت إلى ترك العمل للعناية به، إذ بات من الصعب تركه بمفرده في المنزل مخافة خروجه منه أو إيذاء نفسه". يُذكر أنّ بلاغات كثيرة تُنشَر في الصحف وتُبث عبر مؤسسات إعلامية مختلفة حول فقدان أشخاص من كبار السنّ.



إلى جانب العناية الكبيرة التي يتطلبها مرضى ألزهايمر، فإنّ المتخصصين يؤكّدون ارتفاع التكاليف الخاصة به. وتقول علوان إنّ "الجمعية تسعى إلى دفع الصندوق الوطني للتأمين على المرض في اتجاه التكفّل بعلاج المرضى، لأنّ حالتهم المرضيّة ترافقهم لبقيّة حياتهم. والمرضى بمعظمهم يعانون من عدم توفّر تغطية صحية واجتماعية، فالصندوق يتكفّل فقط بتوفير الأدوية المساعدة على التخفيف من سرعة تفاقم المرض الذي لا شفاء منه". وترى كذلك "ضرورة إنشاء جمعيات في محافظات تونس كلها، فيعمل أفرادها تطوعياً لإعانة المرضى في الجهات الداخلية الذين لا يحظون برعاية كافية".

ولا تنسى علوان الجانب القانوني للمسألة، فمرضى الألزهايمر بحسب قولها "يحتاجون إلى حماية قانونية، خصوصاً أنّ المريض قد يُجري معاملات مصرفية ويوقّع شيكات وقد يبيع أو يشتري عقارات. ويحمّله ذلك مسؤولية جزائية وإن أثبتت الشهادات الطبية مرضه، طالما أنّ عائلته لم تجرِ معاملات توكيل أو لم ترفع قضية حجر على المريض".

في سياق متّصل، أنشئ أوّل مركز طبي خاص لمعالجة مرض ألزهايمر في تونس وفي أفريقيا والشرق الأوسط في يناير/ كانون الثاني 2015، وقد استغرق هذا المشروع عامَين كاملَين وفق ما توضح رئيسة المركز عفاف الهمام لـ "العربي الجديد". وتقول الهمام إنّ "المركز يضمّ عدداً كبيراً من المتخصصين في الطب العام وفي طب الأعصاب وطب الشيخوخة والطب النفسي، إلى جانب كادرات طبية أخرى وكادرات شبه طبية". تضيف أنّ "المركز أنشئ بسبب غياب مراكز تضمّ طواقم متخصصة في علاج مرضى الألزهايمر والتكفّل بهم. أمّا الجمعيات التي تعنى بشؤون هؤلاء، فهي تقدّم فقط التوصيات والإحاطة النفسية للعائلات وتوجّهها إلى كيفية العناية بمرضاها".

وتشير الهمام إلى أنّ "المركز يقدّم العلاج للمرضى خلال النهار فقط، بهدف الحفاظ على اندماجهم في الأسر ومحيطهم العائلي. كذلك يقدّم المساعدة إلى العائلة ويوجّهها إلى كيفية التعامل معهم، فيما يتابع معها حالة مريضها في البيت". تضيف أنّ "المركز يهدف إلى ضمان عدم تدهور حالة المريض، وتمكينه من تناول طعامه وارتداء ملابسه بمفرده والخروج بمفرده من المنزل. كذلك، ينظّم المركز ورشاً لتنشيط الذاكرة وإعادة القدرة على التواصل مع الآخرين، إلى جانب محاولة علاج العنف عند بعض المرضى، وبالتأكيد تحسين جودة حياة المريض والعائلة على حدّ سواء".

دلالات

المساهمون