ديون تحاصر الأسر التونسية

ديون تحاصر الأسر التونسية

03 سبتمبر 2017
الغلاء كبير في البلاد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تعيش عائلات تونسية حالة نزاع مستمر مع المصارف، بسبب عجزها عن سداد ما عليها من قروض. هذه المشكلة تؤرق الأسر والمصارف على حد سواء خصوصاً بعد ازدياد وتيرة القروض المصرفية في السنوات الأخيرة، مع تدهور القدرة الشرائية وحرص المستهلك على تحسين ظروف عيشه.

نسبة هامة من القروض أضحت موجهة لتغطية الاستهلاك اليومي، لا سيما في السنوات الأخيرة، بسبب تواتر المواسم الاستهلاكية وارتفاع النفقات. في المقابل، تحرص منظمة الدفاع عن المستهلك وجمعيات ومنظمات أخرى على تنظيم حملات توعية بضرورة ترشيد الاستهلاك الأسري، وعلى إجراء دراسات مستمرة حول نمط استهلاك التونسيين خلال المناسبات وأسباب استدانة العائلات.

في هذا الإطار، يشير مدير عام المعهد الوطني للاستهلاك، طارق بن جازية، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الاستدانة الأسرية في تونس ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبلغ حجم التطور في تلك القروض نحو 17 في المائة سنوياً. يضيف أنّ قيمة قروض العائلات التونسية لدى المصارف تبلغ نحو 10 مليارات دولار أميركي، مقابل 5 مليارات دولار عام 2010.

على صعيد آخر، يكشف بن جازية عن أنّ العديد من العائلات في نزاع مع عدد من المصارف بسبب عدم القدرة على استخلاص ديونها. وتبلغ نسبة القروض محلّ النزاع نحو 19 في المائة. يؤكد أنّ نحو 800 ألف أسرة تونسية متحصلة على قرض مصرفي من مجموع 2.7 مليون أسرة جرى إحصاؤها في التعداد العام للسكان والسكن لسنة 2014.



كذلك، بيّن مدير المعهد أنّ العديد من العائلات لا تقترض فقط من البنوك بل تلجأ أحياناً إلى الاقتراض من الصناديق الاجتماعية، ومن بعض المؤسسات الخاصة، التي تمنح قروضاً صغرى، وهو ما يفاقم أزمة ديون الأسرة الواحدة التي تصبح مكبلة بأكثر من قرض في الفترة نفسها. يتابع أنّ بعض العائلات تلجأ إلى الاقتراض من الأقارب والأصدقاء وتعمد إلى الشراء بالتقسيط من المنشآت التجارية الكبرى. وهو ما جعل العديد منها محل نزاع مع المصارف لأنّها لم تعد قادرة على تسديد ديونها.

عبد المجيد جلاصي موظف يتقاضى 350 دولاراً شهرياً، يضطر كما يقول إلى الاقتراض لمواجهة نفقات المناسبات المتتالية والمتقاربة زمنياً. فهو يشير إلى أنّ تزامن عيدي الفطر والأضحى مع العطلة الصيفية أثقل كاهل أغلب العائلات التونسية الفقيرة منها والمتوسطة على حدّ سواء، "معظمها مشتت بين تلبية نفقات الترفيه خلال هذا الفصل وبين مستلزمات الأعياد، ليواجه الأب مع نهاية الفصل نفقات العودة المدرسية من جهة أخرى. بذلك، يجد نفسه مضطراً إلى الاستدانة سنوياً". يتابع: "يخطئ من يعتقد اليوم أنّ التونسي يستدين من أجل أشياء كبيرة ضرورية كشراء بيت أو سيارة. فذلك أصبح شبه مستحيل بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية".

في المقابل، لجأ صالح غضباني إلى قرض مصرفي يسدد على مدى عشرين سنة حتى يستطيع شراء مسكن، ولولا عمل زوجته لما استطاع مواجهة باقي نفقات الأسرة من ترفيه ومناسبات وتعليم وصحة. يضيف أنّ معظم العائلات التونسية اليوم مكبلة بالديون المصرفية لأنّها بالفعل لم تعد قادرة على مجاراة نسق ارتفاع الأسعار، مقابل تدهور المقدرة الشرائية خصوصاً خلال السنوات الأخيرة. كذلك، يشير إلى أنّ الموظف البسيط لا يستطيع شراء سيارة أو مسكن من دون ديون، ولا يمكن للعائلة أن تتحمل النفقات المرتفعة إلاّ إذا كان الزوجان معاً يعملان.
تشير الأرقام الرسمية للبنك المركزي التونسي إلى أنّ الديون الأسرية تضاعفت مرتين منذ عام 2010. وتحتل القروض السكنية المرتبة الأولى بنسبة 85 في المائة، إلى جانب القروض الموجهة للاستهلاك لا سيما في المناسبات بنسبة 12.8 في المائة.

يعلق رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ بعض التونسيين ليسوا إلاّ ضحية نمط اجتماعي استهلاكي يسايرون فيه، من دون وعي كبير، الأصدقاء والأقارب وغيرهم من أجل التماهي مع صورة اجتماعية غير واقعية لا تعكس إمكانياتهم بقدر ما تستجيب لنزواتهم ومحاولاتهم إرضاء طلبات الشريك والأطفال. يتابع أنّ نسبة كبيرة من التونسيين تعيش سلوكاً عشوائياً خصوصاً خلال المواسم الاستهلاكية الكبيرة، على غرار شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى الذي يتزامن بدوره مع العودة المدرسية. في المقابل، يلفت سعد الله إلى أنّ الأجور لم تعد تجاري نسق الأسعار المرتفعة، ما جعل القروض تنمو شهرياً على المستوى الوطني بنسبة 2 في المائة، وسنوياً بنسبة 17 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة.