التماسيح الذكية

التماسيح الذكية

17 سبتمبر 2017
تماسيح النيل تتشمّس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

قد تتملّكك الدهشة عندما تلتقي بأحد أبناء قبيلة المونداري. فالقامة الطويلة والجسم الضخم من أولى مميّزاتهم، تتبعها أنماط الغذاء إذ هم يعتمدون على الصيد البحري، خصوصاً التماسيح. نعم، هم يستهدفون تمساح النيل الذي يُعَدّ ثاني أكبر الزواحف المتبقية في العالم بعد تمساح المياه المالحة.

ويعيش أبناء المونداري تحدياً يومياً متوارثاً مع تلك الضواري التي تدرّبوا على صيدها جيلاً بعد جيل، وفي اعتقادهم أنّ لحومها هي الأفضل لجهة الفائدة الغذائية، فضلاً عن أهميّتها لعلاج عدد كبير من الأمراض. وقد أعدّت إحدى محطات التلفزة المحلية فيلماً وثائقياً حول صيد التماسيح، بمساعدة أحد أبناء تلك القبيلة، الأمر الذي أثار حفيظة البيئيّين والمهتمين بشؤون الحياة البرية. فرسالة الفيلم كانت تحمل دعوة صريحة إلى امتهان صيد التماسيح، وفي ذلك تهديد لتلك الضواري المتناقصة أصلاً وكذلك إخلال بالتوازن البيئي.

يُعَدّ تمساح النيل من مفترسي القمّة، وهو يتحيّن الفرص، وأَلْمَعِي، وقادر على التحرّك بسرعة وبذكاء، بالإضافة إلى أنّه عدواني جداً. كذلك يملك القدرة على قنص أيّ حيوان في مجاله، وفي إمكانه الترقّب لساعات وأيام وحتى أسابيع متربصاً حتى تحين اللحظة المناسبة للهجوم على الفريسة وجرّها إلى الماء. يُذكر أنّ الفرائس خاطفة الحركة لا تسلم منه كذلك، ولا الإنسان، فهو يُعَدّ المسؤول عن مئات الوفيات البشرية في كل عام.

في مثل هذه الأيام، يعيش سكان القرى والمدن الواقعة على ضفتَي النيل حالة من الرعب والقلق الشديدَين بسبب ظهور عدد من التماسيح الشرسة، مثلما حدث في عام 2007 عندما افترست عدداً من الأشخاص، من بينهم أطفال. إلى ذلك، راجت حكاية الفتاة التي نجت بعد هربها ركضاً من هجوم تمساحَين كانا يهمّان إلى افتراسها في مقرّ الجمعية السودانية للصناعات اليدوية قبالة حدائق فندق هيلتون. وفي ولاية سنار، انطلقت تحذيرات محطة "القويسي" للرصد في مدينة الدندر، على أثر وصول نهر الدندر إلى مرحلة الخطر، داعية المواطنين إلى الابتعاد عن الضفاف قدر الممكن بعد ظهور تماسيح وثعابين في النهر.

تجدر الإشارة إلى أنّ متوسّط طول تمساح النيل يتراوح ما بين 13 و16 قدماً فيما لا يصل وزنه في الغالب إلى ألف رطل، لكنّه من غير المستبعد العثور على تمساح يزيد طوله عن 20 قدماً ويصل وزنه إلى ألفَي رطل.

إلى ذلك، يصف الخبراء تماسيح النيل بأنّها اجتماعية بين بعضها بعضاً، وتتشارك مواقع الاستدفاء ومصادر الغذاء. ويحكمها تسلسل هرميّ صارم في عملية تشارك الغذاء، يُحدّد بحسب الأحجام. فالذكور الكبيرة والأكبر سناً تكون في الجزء العلوي من هذا التسلسل الهرمي وتكون لها الأولوية في الحصول على الغذاء وأفضل الأماكن للتشمّس. يُذكر أنّ التماسيح نادراً ما تتمرد على هذا النظام، وعندما تفعل ذلك فإنّ النتائج تكون دموية ومميتة.

*متخصص في شؤون البيئة


دلالات

المساهمون