نحن و"نفسنا"

نحن و"نفسنا"

15 سبتمبر 2017
هل ما نحن عليه بالأساس هو "نفسنا"؟ (مجيد سعيدي/Getty)
+ الخط -

"كُن نفسكَ، فكلّ الشخصيّات الأخرى مأخوذة بالفعل". مقولة للمؤلّف المسرحيّ والروائيّ والشاعر الأيرلنديّ أوسكار فينغال أوفلاهرتي ويلز وايلد. هذا ما تشير إليه مراجع عدّة تقتبس مقولته تلك لتبني عليها في مجالات مختلفة، غير أنّ ثمّة مَن يصوّب الأمر موضحاً أنّها تُنسَب خطأً إلى وايلد الذي طبعت أعماله بأنواعها أواخر القرن التاسع عشر. وهؤلاء المصوّبون لا ينسبونها إلى شخص آخر، مفكّراً كان أو فيلسوفاً أو أديباً أو غير ذلك، فتبقى بالتالي مذيّلة بتوقيع "أوسكار وايلد".

"نفسكَ" أو "نفسكِ" - حتى لا تستاء النسويّات الراديكاليّات - مفهوم مبهم في الحقيقة، لا بل في الواقع. فالحقيقة، على الأرجح، ليست في متناولنا. وفي حال رحنا نبحث عن حقيقتنا أو حقيقة "نفسنا"، فإنّنا سوف نُربَك ونتعثّر من دون شكّ. نحن قد نظنّ أنّنا وجدنا تلك الحقيقة، غير أنّنا لن نكون إلّا واهمين.

كيف يكون كلّ واحد منّا "نفسه"؟ يبدو الأمر عسيراً في عالم اليوم. الأمر قد لا يكون محصوراً باليوم، وإن كنّا نرى في الناس أصالة أكبر عند استعراضنا الأمس. فلنكتفِ بيومنا هذا. في أحيان كثيرة، نجد أنفسنا غارقين في محاولات حثيثة للتماهي مع هذا أو ذلك أو ذاك. هو تماهٍ قد يبلغ حدّ الذوبان. الضغوطات من حولنا كفيلة بجعلنا غير مكتفين وغير قانعين بما نحن عليه. هل ما نحن عليه في الأساس هو "نفسنا"؟ سؤال مشروع. يا ليتنا نطرحه على أنفسنا، يا ليتنا نشكّك في حقيقتنا.. ربّما ندركها أو ندرك بعضاً منها.

ونحاول التماهي مع هذا أو ذلك أو ذاك، في حين يختلف شكل التماهي الذي يبلغ في معظم الأحيان حدّ الذوبان. أمور بسيطة تافهة تلك التي تحول دون أن نكون "نفسنا". مهلاً.. لا شكّ في أنّ تلك الأمور ليست بسيطة ولا تافهة بما أنّها قادرة على ردعنا عن ذلك. أمّا في حال كانت كذلك بالفعل، فإنّه لا بدّ من إعادة النظر في ما نحن عليه، ولا بدّ من البحث عن باعث هشاشتنا. لو كنّا قادرين على الأمر، لما كنّا في ذلك المأزق ولا كنّا لنقرّ بأنّه مأزق بالفعل.

الأطفال الصغار، في مختلف مراحلهم العمريّة، يعمدون إلى التقليد كآليّة طبيعيّة في سياق عمليّة نموّهم. بذلك يكتشفون العالم الذي يحيط بهم ويتماهون مع الأقربين، في ما يُعَدّ محطّة أساسيّة قبل الانطلاق في الحياة بشخصيّاتهم المستقّلة. هل نحن أو بعض منّا - تفادياً للشموليّة - ما زلنا عالقين في واحدة من مراحل الطفولة تلك؟ سؤال مشروع آخر.

في عام 1888، نشر أوسكار وايلد "الأمير الصغير وقصص أخرى" متوجّهاً إلى الصغار، قبل أن يؤلّف لهم قصصاً خرافيّة أخرى. وحتى إن لم يكن هو صاحب مقولة "كُن نفسكَ، فكلّ الشخصيّات الأخرى مأخوذة بالفعل"، فإنّه حاول المساهمة في عمليّة نموّ الأطفال لينطلقوا في الحياة بشخصيّاتهم المستقلّة ويكونوا "نفسهم". لمَ لا نقرأ بعضاً من قصصه؟


دلالات