غرق فلوريدا... "إيرما" يواصل رحلته الأميركية

غرق فلوريدا... "إيرما" يواصل رحلته الأميركية

نيويورك
ابتسام عازم (العربي الجديد)
ابتسام عازم
كاتبة وروائية وصحافية فلسطينية تقيم في نيويورك. مراسلة "العربي الجديد" المعتمدة في مقرّ منظمة الأمم المتحدة.
12 سبتمبر 2017
+ الخط -
أمس الإثنين تراجع الإعصار "إيرما" عن خطورته القصوى في فلوريدا، إذ فقد جزءاً كبيراً من قوته وبات من الدرجة الثانية في مساره المتواصل في الولاية باتجاه ولايات أخرى. مدن فلوريدا شهدت رياحاً عاتية وفيضانات تسببت بكثير من الدمار

جسور تهتز في مهب العاصفة كحبال غسيل، وأشجار نخيل عملاقة تشتهر بها سواحل فلوريدا عامة ومدينة ميامي خصوصاً بدت كدمى صغيرة وهي تقتلع من شدة الرياح وتسقط وسط الشوارع أو على البيوت المجاورة. إشارات مرور تتحرك في كلّ الاتجاهات وبعضها يتطاير في الشوارع، وأعمدة وأسلاك كهرباء تسقط وسط الشارع مخلفة دماراً ومنذرة بخطر شديد. هذه بعض المشاهد التي تتناقلها وسائل الإعلام الأميركية من فلوريدا بعد ساعات قليلة من ضرب الإعصار "إيرما" جنوب الولاية. جاء هذا السيناريو الذي تناقلته وسائل الإعلام في تغطيات مباشرة، بعد أقل من أسبوعين على ضرب الإعصار "هارفي" مساحات واسعة من ولاية تكساس وتركها منكوبة في مناطق عديدة تحت رحمة الفيضانات طوال أسبوع.

إحدى المشاكل الرئيسية المتعلقة بالإعصار "إيرما" هي أنّه ضخم يغطي في حجمه مساحة واسعة هي ضعفا حجم الإعصار "أندرو" الذي ضرب فلوريدا وخلف فيها دماراً كبيراً قبل 25 عاماً، فقتل 65 شخصاً ودمر جزئياً أو كلياً أكثر من 65 ألف منزل، وسجل خسائر وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات. على الرغم من تحسن البنية التحتية في فلوريدا بشكل ملحوظ منذ ذلك الوقت، بالإضافة إلى تشديد قوانين البناء لكي تتناسب وبشكل أفضل مع مخاطر الأعاصير، إلاّ أنّ أغلب المباني، أي نحو 70 في المائة، شيد قبل عام 1992 وهو عام الإعصار "أندرو".

صنف المركز القومي للأعاصير قوة الإعصار "إيرما" عندما ضرب جنوب فلوريدا، بالدرجة الرابعة، أي أقل بدرجة واحدة من الدرجة القصوى. سجلت في بعض المناطق سرعة رياح تصل إلى نحو 210 كيلومترات في الساعة مع توقعات بأن تكون أعلى في مناطق أخرى. لكنّ التحذيرات انخفضت أمس الاثنين إذ بلغت سرعة رياح الإعصار الذي بات من الفئة الثانية 80 كيلومتراً في الساعة في فلوريدا، فيما بلغت أقصى سرعة للرياح التي يحملها 155 كيلومتراً في الساعة.


يستذكر كثيرون مصادفة أن يضرب هذا الإعصار فلوريدا في نفس التاريخ الذي ضرب فيه الإعصار "دونا" سواحلها عام 1960، وكان قد خلف دماراً كبيراً في البنية التحتية، كما دمر وأحدث أضراراً في آلاف المباني ناهيك عن مقتل المئات في الولايات المتحدة والدول الأخرى التي ضربها آنذاك قبل أن يضرب فلوريدا. كذلك، وصل الإعصار "إيرما" إلى السواحل الأميركية بعد تدميره وتسببه في وفاة 28 شخصاً في عدة دول من بينها هايتي والدومينيكان وكوبا.

طالبت السلطات المحلية السكان في مناطق عديدة من فلوريدا، خصوصاً في جنوب الولاية، بإخلاء منازلهم والتوجه إلى الملاجئ أو مناطق أخرى. وشمل الإخلاء مناطق يعيش فيها أكثر من ستة ملايين شخص. وفرض حظر التجول في بعض المناطق التي صنفت بالخطرة ابتداء من ليل السبت الماضي، وأكدت السلطات أنّها ستلقي القبض على من يخالفه ويتجول في الشوارع. ومع ضرب الإعصار فلوريدا توقفت فرق الإنقاذ والشرطة عن الاستجابة لاتصالات الطوارىء في مناطق واسعة، لأنّ ذلك يعرّض فرق الإنقاذ والشرطة إلى الخطر، كما أنّ سرعة الرياح التي وصلت إلى أكثر من 200 كلم في الساعة في بعض المناطق تحول دون تحرك الفرق بسهولة وقيامها بعمليات الإنقاذ المطلوبة. وحتى قبل أن يصل الإعصار إلى فلوريدا شهدت مناطق عديدة انقطاعاً للتيار الكهربائي بسبب الرياح القوية التي سبقته. وتقدر السلطات المسؤولة في ولاية فلوريدا أنّ الكهرباء انقطعت عن أكثر من مليون ونصف مليون شخص. ومن المتوقع أن يؤدي الإعصار والفيضانات بالترافق معه وبعده إلى انقطاع االتيار الكهربائي عن أكثر من مليوني شخص في فلوريدا وحدها.

ما يشكل قلقاً كبيراً بالنسبة للخبراء والمسؤولين هي الفيضانات، وما يعرف بـ "عرام العواصف" وهي الزيادة المؤقتة في ارتفاع البحر التي تصحب الأعاصير كنتيجة لانخفاض الضغط الجوي وسرعة الرياح العنيفة. وقد ناشد بعض المسؤولين السكان، الذين قرروا البقاء في بيوتهم، بالابتعاد عن النوافذ واللجوء إلى الغرف المتواجدة وسط البيت أو الشقة كما اللجوء إلى الطوابق العليا لأنّ منسوب المياه قد يرتفع بصورة مفاجئة وسريعة. ومن المتوقع أن يصل ارتفاع منسوب المياه إلى أكثر من أربعة أمتار في بعض المناطق. وغالباً ما تحدث حالات الوفاة بسبب الفيضانات. وتواجه فلوريدا تحديات إضافية في هذا السياق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر في العقود الأخيرة بحوالى ثمانية سنتيمترات، بسبب التغييرات المناخية، ما يزيد من التعقيد، بالإضافة إلى مخاطر تسرب مياه البحر المالحة إلى شبكات المياه الصالحة للشرب، وهو ما حدث في الماضي خلال إعاصير سابقة.

ومع مقتل ثلاثة أشخاص في فلوريدا الأحد، ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 30 بسبب "إيرما" مع توقعات بارتفاع العدد في الدول المختلفة التي ضربها الإعصار قبل الولايات المتحدة وكان آخرها كوبا. كذلك، فإنّ هناك رافعتين، من أصل عشرين رافعة في مناطق مختلفة من فلوريدا خصوصاً في مدينة ميامي، دمرتا وسقطت إحداهما على بناية مجاورة. وتستخدم الرافعات العملاقة والثقيلة في بناء ناطحات السحاب ولم تتمكن الشركات المسؤولة من فكها ونقلها إلى أماكن أخرى لأنّ ذلك يستغرق نحو عشرة أيام بحسب مختصين.

ولأنّ مسار الإعصار تغير بعض الشيء وبشكل مفاجئ قبل وصوله إلى فلوريدا فقد تغير وضع حالة الطوارئ في بعض المناطق في فلوريدا منذ الأحد. وشهد كثير من الملاجئ اكتظاظاً بطوابير طويلة من الناس أمامها يحاولون أن يجدوا لهم مكاناً يبيتون فيه. واضطر، حتى ليل السبت 29 مستشفى ونحو 300 مركز صحي ومراكز رعاية في مناطق مختلفة من فلوريدا إلى إغلاق أبوابها والقيام بعمليات إخلاء كاملة للمرضى والعاملين، بحسب دائرة الطوارئ للولاية. وفي هذا السياق تشير السلطات إلى أنّها فتحت أكثر من ستين ملجأ لأشخاص يحتاجون إلى رعاية خاصة.

ومن المتوقع أن يضرب الإعصار ولايات أخرى من بينها جورجيا وألاباما ونورث كارولاينا وساوث كارولاينا التي أعلنت جميعها حالة الطوارئ. وأجبرت السلطات المحلية في جورجيا أكثر من نصف مليون شخص يعيشون بالقرب من سواحلها، التي يتوقع أن يضربها الإعصار، على إخلاء بيوتهم، مع عدم منحهم الحرية في اختيار البقاء داخلها.

دلالات

ذات صلة

الصورة

منوعات

تثير أسماء العواصف والأعاصير تعليقات كثيرة، وعلامات استفهام حول طريقة اختيارها، خصوصاً أنها تحمل دائماً أسماء علم. فمن يختار اسم العاصفة أو الإعصار؟ وما الآلية المتبعة؟
الصورة

مجتمع

لا تزال مدينتا درنة وسوسة (300 كم شرق بنغازي) أكثر المدن المنكوبة بالفيضانات التي تشهدها ليبيا، معزولتين بسبب انهيار الطرقات الموصلة إليهما، بينما يؤكد المسؤولون فيها عدم وصول أي إمدادات لدعم الحالات الإنسانية وجهود البحث عن المفقودين. 
الصورة

مجتمع

لقي أكثر من 5 آلاف شخص مصرعهم جراء الفيضانات التي اجتاحت مدن شرق ليبيا بسبب الإعصار المتوسطي "دانيال" الذي ضرب البلاد فجر الأحد، فيما أكدت حكومة الوحدة الوطنية أن كمية الأمطار التي هطلت لم تسجل في البلاد منذ أكثر من 40 عاماً.
الصورة
جرائم 1

تحقيقات

تتفاقم جرائم المعلوماتية في أميركا، وتتزايد خسائرها عاما وراء عام، إذ بلغت 4.2 مليارات دولار خلال 2020، بزيادة 300% عن عام 2015، ويجمع المحتالون بيانات الضحايا لتصميم عمليات استهداف بعضها عشوائي وأخرى محكمة ومعقدة كما يوثق التحقيق.

المساهمون