جزائريون يروون قصصهم مع الغربة

جزائريون يروون قصصهم مع الغربة

08 اغسطس 2017
الغربة لجمع المال والحنين للوطن (Getty/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد بعد ثلاثين عاماً قضاها خارج الوطن، بين إيطاليا وفرنسا، ليستقرّ به الحال في مدينة مارسيليا.

قد تبدو قصة الجزائري بلقاسم عمران (78 سنة) أشبه بمغامرة حقيقية وخلاصة لقساوة الغربة ومرارتها، تمكّن خلالها من تحقيق حلمه وبناء منزل بأزفون في منطقة القبائل، ليستريح فيها بعد عناء سنوات.

ولد بلقاسم عمران في قرية "ميشلي" بولاية تيزي وزو (110 كيلومترات شرق العاصمة الجزائرية)، لكنه غادرها عندما كان عمره عشر سنوات، ليعيش رفقة والده تاركاً والدته في مسقط رأسها، تنتظره ليعود مرة كل سنة، كما يقول لـ"العربي الجديد".

توفي والدا بلقاسم، ودفنهما في مسقط رأسه، لكنه اختار الغربة على العودة والاستقرار في أرض الوطن: "هناك يمكنني أن أشتغل وأكسب قوت يومي، في منطقتي لا أمل بإيجاد عمل يضمن الكرامة"، يقول بلقاسم وهو يتذكر بداياته والسنوات التي قضاها خارج الوطن، وكفاحه من أجل بناء منزل كبير بمسبح ووسائل العيش الكريم.

ويضيف، وهو يبتسم، "لقد تعلّمت حكمة قوية طيلة سنوات البعد عن الأهل والأحبة، وهي أن الفقر في الوطن غربة لكن الغنى في الغربة وطن"، عرفت معنى أن تكدّ لمدة 18 ساعة، تنقلت بين إيطاليا وإسبانيا وفرنسا بين حقول الفواكه، وأدركت معنى أن تنهي أسبوعاً كاملاً لتحتفل يوم الأحد ليس كما يحتفل سكان البلد، لكن كما يحتفل غرباء البلاد، والذين يشتغلون لتوفير المال لبناء مستقبلهم وأغلبهم يبعثون به لأقاربهم".


ولا يقتصر الأمر على بلقاسم، بل إن حكايات كثيرة يرويها مغتربون، ناضلوا من أجل بناء مستقبلهم وادخار بعض الأموال وإرسالها للأهل من أجل بناء منزل أو مشروع يمكنهم من تقاعد مريح لدى عودتهم، لكن هناك من عاد لأرض الوطن ووجد "الريح"، كما قال السعيد بن خالفة لـ"العربي الجديد"، والذي كان يرسل المال لأهله من أجل بناء منزل من ثلاثة طوابق وكلّف أحد إخوته بالمهمة، من دون وثائق تُثبت أنه صاحب المال، لكن لدى عودته وجد نفسه أمام كم هائل من المشاكل ليقرر العودة إلى بلجيكا وهو يتأسف على أمواله التي ضاعت.

أما نور الدين فتبدو حكايته مخالفة لسابقه، فقد اختار فرنسا وجهة له، وكان يعمل حلاقاً مشهوراً في بلدته، لكن حلم الغربة راوده منذ سنوات، لاعتقاده أنه سيراكم الأموال وينجح في الترقي اجتماعياً، كما حصل مع كثير من المغتربين وفي فترات قياسية.

لكن "ليس من رأى كمن سمع"، يقول نور الدين، والذي تقلّب في مهن عدة في البداية لضمان قوت يومه، وبدأت غشاوة صورة الغربة الوردية تنجلي، وبعد اكثر من سنة تمكن من أن يجد عملاً في محل حلاقة محترم، ليجمع المال ويتمكن بفضله من شراء بيت في مسقط رأسه بسطيف شرق الجزائر، حتى يعود إليه كل عطلة رفقة زوجته وابنتيه.

إلا أن العودة لأرض الوطن نهائياً لا تكون قراراً سعيداً لكل المغتربين، يقول عبد المجيد بن عبد الرحمان من منطقة "عزابة" بولاية سكيكدة، لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن الغريب عن وطنه يظلّ مسافراً إلى أن يعود إليه، سواء بعد التقاعد والتعب أو في تابوت بعد وفاته.

ويقول الباحث محمد سلامي لـ"العربي الجديد"، وهو طالب دكتوراه في تخصص علم النفس، أجرى بحوثاً عن فئة المغتربين، إنه خلص إلى حقيقة مفادها بأن: "الغربة لا تعوض الوطن ولو كنت تملك خزائن البنوك، وعند اتخاذ قرار الهجرة يومها يفقد الإنسان جزءاً منه، وبعد سنوات الغربة يفقد كل مرة جزءاً حتى ينتهي بلا شيء".

المساهمون