أيّهما تفضّل؟

أيّهما تفضّل؟

28 اغسطس 2017
حيرة (رسم فؤاد هاشم)
+ الخط -

أيّاً منهما تفضّل؟ الباستا مع الخضار أم يخنة البطاطا مع الدجاج؟ هكذا أحاور نفسي كلّما أدخل إلى المطبخ، وأقف حائراً أمام الخزائن فيه قبل أن أغوص في محتوياتها من معلبات وأكياس ومراطبين (أوعية حفظ) تتفاوت أحجامها وتختلف ألوانها وتحتوي على الحبوب والتوابل وأشياء اشتريتها قبل زمن ونسيت ما هي. في بعض الأحيان، أرمي بعضاً من تلك في القمامة لانتهاء مدّة صلاحيتها أو لشكّي في ذلك. عند الانتهاء من جولة الخزائن، أتّجه إلى البرّاد والثلاجة التي تعلوه لأقوم بالمثل وأنتقي ما يستلزم الطبخة التي لم أقرر بعد هويّتها المفترضة.

وأبدأ من جديد جدالاً عقيماً مع نفسي وسط حيرة لا تنتهي. وفيما تلك المهزلة دائرة في حرم المطبخ، ينسحب جسدي تاركاً أفكاري تتصارع مع نفسي، ويبدأ بترتيب الأغراض المطلوبة لتحضير الطبخة على طريقته الخاصة. ينتقي بعض الخضرة من درج البراد وبعض التوابل والحبوب من الخزائن، قبل أن يسحب سكيناً من درج خزانة ويشعل النار. يفرم البصل، فتدمع عيناه، ويغسل ويعقّم ويقطّع أشياء مختلفة على خشبة مسرحه، في حين أنّ الجدال ما زال مستمراً في الجانب الآخر. كأنّما هي حرب بدأت بين معسكرَين، تهدأ حيناً، فينسحب كلّ من الأطراف ليبحث عن خطط جديدة لإقناع الطرف الآخر برأيه وبكل السبل المنطقية أو العبثية.

يخرج الجسد تاركاً خلفه كل ذلك الجدال، والأواني مكوّمة في المجلى، والنار مشتعلة تحت ما صنعته يداه، فيدخّن سيجارة ويرتشف من قهوته التي حضّرها صباحاً وبردت من زمن. يراقب الوقت قبل أن يعود مرّة أخرى إلى المطبخ، لإعادة ترتيب وغسل الأشياء المتراكمة على جانبَي المجلى، ورمي مخلفات ما صنع. ويضع لمساته الأخيرة على طبخته، قبل أن يطفئ النار تحتها ويجتمع بعدها مع الأفكار والنفس حول طبق مختلف عن الجدال الذي كان دائراً. والذي حُضّر وسط حيرة وتردد بين الأنا والأنا الأخرى.

تعود هذه الحالة لتتكرر في مواقف كثيرة، كاختيار الملابس وأماكن التسكّع مع الأصدقاء وغيرها. دائماً، ثمّة من يعمد إلى قمع الآخر وفقاً لاحتياجاته الخاصة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت إيجابية أو سلبية.

في بعض المواقف، أجد تفاهماً بين مجموعة "الأنا" المتناقضة في داخلي، فأراها تتّخذ قرارات موحّدة، خصوصاً إذا كانت تلك المواقف تشبع رغبات القلب والعقل والجسد، بخلاف الأكل أو اللبس أو قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم قديم لمارلون براندو. تلك تدخلني دائماً في معمعة لاإرادية، تصل في بعض الأحيان إلى حدّ الأرق وتمتدّ لأيام وليال، قبل أن يستقرّ القرار على واحدة من تلك "الأنا".

دلالات

المساهمون