مدن حمراء... لا هواء بين البيوت في الجزائر

مدن حمراء... لا هواء بين البيوت في الجزائر

24 اغسطس 2017
البعض ينتظر انخفاض أسعار الإسمنت (العربي الجديد)
+ الخط -
أزمة السكن وارتفاع أسعار مواد البناء تجعل كثيراً من الجزائريين يتلكؤون عن استكمال منازلهم. يكتفون بالحدّ الأدنى منها، فيبنون السقف والجدران ولا يهتمون بالمنظر الخارجي. ذلك المنظر الذي تحول إلى فوضى عمرانية تشوه مدن البلاد

في مختلف المدن الجزائرية منازل حمراء اللون. هي منازل غير مكتملة البناء، حجارتها برتقالية أو حمراء من الآجر بمختلف أحجامه.

يقول المهندس السابق في مؤسسة حكومية تابعة لوزارة السكن عمار طهاري لـ"العربي الجديد" إنّ البعض يتفنن في بناء هذه المنازل ولو على حساب "قانون العمران" في انتظار استكمال بنائها بعد حين، لكنّها قد تبقى سنوات طويلة على هذه الحال. يتابع المهندس الذي تقاعد قبل ست سنوات: "حالياً لا يمكننا إلا أن نتخيّل أن كلّ المباني المنتشرة في المدن الجزائرية جرى استكمالها. هو حلم ممكن التحقيق خصوصاً إن وضعت له القوانين التي تحكم عملية البناء من كلّ النواحي".

في قراءة هندسية يقول طهاري: "في الجزائر ليس في الإمكان اليوم إعادة بناء الأحياء الجديدة، ففي كلّ مدينة أحياء تنمو مثل الفطريات، لكنّها لا تكتمل لأسباب كثيرة، وقد ظلت الجهات المسؤولة عن العمران تتأرجح بين القوانين الحبيسة في الأدراج، وبين التنفيذ المؤقت، أو التهديد والوعيد".

في عدة مدن كبرى شوهت الأحياء الحمراء الحيز العام في رأي كثيرين. باتت "علباً من الإسمنت والآجر" كما يقول نور الدين لـ"العربي الجديد" لافتاً إلى عدة أسباب أدت إلى نشوء هذه الأحياء التي تتزايد يوماً بعد يوم في هندسة غير مدروسة، أهمها أزمة السكن التي أعقبت الفترة الأمنية العصيبة التي عاشتها الجزائر (العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي) وكلفتها الكثير، فصار الجزائري يبني مسكنه فقط ولا يهتم بالمنظر الخارجي للبناء، أو يهتم بالمعايير والمقاييس الهندسية الآمنة، أو حتى إكمال البناء الذي يكلف كثيراً من المال.



كذلك، يعتقد كثيرون أنّ أسعار مواد البناء باتت تلعب الدور الأكبر في ذلك، فمن الجزائريين من يبدأ بناء بيت يسكنه من دون أن يكمله إلى حين انخفاض أسعار مواد البناء. وهو رأي المهندسة المعمارية نايلة سوامي في حديثها إلى "العربي الجديد" إذ تشير إلى أنّ الفضاء العمراني في البلاد بات "منتجاً مشوهاً فكلّ شخص يبني كما يحلو له... حتى الهواء يغيب بين البيوت والفيلات المشيدة هنا وهناك، فالحائط إلى جانب الحائط ، أما الحديث عن حديقة صغيرة أو مكان للعب الأطفال فهو أمر ليس في الحسبان".

يشير البعض إلى أنّ همّ الجزائري كان في السابق، قبل أكثر من عشرين عاماً، هو العودة إلى البيت حياً، وتهريب عائلته من بؤر الجماعات الإرهابية بعيداً عن الموت ورائحة الدم. يرى هؤلاء في أحاديث متفرقة إلى "العربي الجديد" أنّ ما وصل اليه العمران الفوضوي في العديد من الأحياء والمدن الجزائرية ما هو إلا محصلة نتاج أزمة خانقة اسمها الإرهاب. فقد تمكن البعض من شراء أراضٍ بعيداً عن مدنهم الأصلية وفي ضواحي المدن الكبرى، وبدأ عمل معاول البناء، فالمهم هو إيجاد بيت وباب ونافذة، والنوم في أمان وانتهت المسألة.

في هذا الإطار، يقول السيد عبد القادر الذي بنى بيتاً من الآجر لـ"العربي الجديد": "المدن الحمراء نتيجة اللهفة والمسارعة إلى بناء سقف للأولاد". تمكن من الظفر بقطعة أرض في منطقة بئر توتة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، وبدأ في بنائها لكنّه توقف بسبب غلاء ثمن المواد الأساسية للبناء فضلاً عن غلاء أجرة عاملي البناء، فاكتفى بما وصل إليه البناء.



شأن كثير من المواطنين شأن عبد القادر، فالأهم لهم هو تأسيس بيت وتعويض ما فاتهم بسبب أزمة الإرهاب من جهة، بينما يحاول البعض إيجاد مأوى وضمان العيش في مسكن هم أصحابه وليس مسكناً بالإيجار من جهة أخرى، لأنّ كثيرين غير قادرين على قضاء رحلة صعبة في انتظار أن تجود عليهم السلطات بمسكن. هي عدة وجهات نظر تضعها مليكة ايراقن من منطقة بومرداس في سلة واحدة، لكنّها تتطرق في حديثها إلى "العربي الجديد" إلى الأزمات التي عاشتها الجزائر بعد العشرية السوداء، أو خلالها. تقول: "عام 2001 عاشت الجزائر تبعات فيضانات باب الوادي التي تسببت وحدها في أزمة سكن حادة، وهو ما دفع الى إنشاء مساكن مؤقتة للاستئجار فقط. تلت ذلك أزمة طبيعية ثانية أشد عنفاً وهي زلزال مايو/ أيار 2003 الذي شرد آلاف العائلات".

البعض ينتظر انخفاض أسعار الإسمنت ليتمكن من إكمال البناء، فيما ينتظر آخرون هبوط أسعار الحديد، والجميع يشير إلى أنّ أسعار مواد البناء ترتفع كلّ مرة ولا تنخفض، وهو ارتفاع يعود إلى السوق الدولية بشكل عام. إذاً، من المبررات التي يضعها المواطن أنّه لم يعد قادراً على إتمام بيت وتزيينه كما يجب، لهذا يلجأ الجزائريون إلى بناء أساس البيت، وبعدها يبنون السقف خلال عام أو عامين وربما ثلاثة. أما استكمال البناء الداخلي فقد يستغرق ستة أعوام، وهو ما يجعلهم بعيدين جداً عن الاهتمام بالمظهر الخارجي في كثير من الأحيان.



قبل ثلاثة أعوام، أمرت وزارة السكن والعمران الجزائرية بتطبيق قانون إتمام البنايات غير المكتملة، وتسليط عقوبة قاسية على المخالفين. استندت الوزارة في ذلك إلى إحصائية شملت ولايات الجزائر، وتبيّن فيها أنّ عدد البنايات غير المكتملة يفوق المليون في مختلف مناطق البلاد. لكنّ هذا القرار الذي أعلن عنه الوزير السابق للسكن والعمران عبد المجيد تبون لم ينفذ حتى اليوم.

من جهتها، اقترحت بعض الجهات المهتمة بالعمران في الجزائر أن تقدم الحكومة مساعدات للمواطن لاستكمال بناء منزله في شكل قروض يجري تسديدها على فترات، تسهيلاً للعمال والموظفين، أو في صيغة أخرى سنّ قانون يفرض على أي مواطن يبني طابقاً ثانياً أو ثالثاً مخالفاً للقانون أن يخضع لضريبة معينة إلى أن يتكفل باستكمال البناء على نفقته الشخصية لكن مع لحظ قدرته المادية.

في كلّ الأحوال، يجب أن يلحظ أيّ حلّ الجانب الاجتماعي القوي في مساكن الجزائريين. فهذه المساكن خاضعة لمنطق العائلة، إذ يبني رب الأسرة بيتاً لأبنائه من عدة طوابق من دون أن يكملها، فيما يشغل هو الطابق السفلي، أما البقية فيتركها على عاتق أبنائه عندما يكبرون.