الفلسطيني علي عودة... 45 عاماً في تصليح الأحذية

الفلسطيني علي عودة... 45 عاماً في تصليح الأحذية

21 اغسطس 2017
أبو عودة ورث المهنة عن أبيه (العربي الجديد)
+ الخط -


قبل 45 عاماً بدأ الفلسطيني علي عودة الطريفي، البالغ من العمر (55 عاماً) من سكان مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، بتعلم مهنة صناعة الأحذية وتصليحها من والده، لتصبح تلك المهنة ملازمة له طيلة حياته، وقد وفرت لقمة العيش لأشقائه وشقيقاته ووالدته، ومنها بنى أسرته.

أبو عودة المنحدر من عائلة مهجّرة عام 1948 من بلدة دير طريف قرب اللّد، التي لجأت إلى رام الله، اضطر عام 1980 لترك دراسته بعد إتمامه الصف الحادي عشر في الفرع الأدبي، والعمل بمهنة صناعة الأحذية، إثر وفاة والده، الذي ترك له أسرة مكونة من عشرة أفراد علاوة على والدته، وكان علي أكبرهم، وانطلق في رحلة توفير لقمة العيش لهم.

يقول علي لـ"العربي الجديد"، "كنت أرغب بدراسة التاريخ لحبي وشغفي بدراسته، وكان معدلي في المدرسة 70 في المائة وأكثر، حبي لهذه المادة لا يزال يلازمني حتى الآن، وأتابع الأفلام الوثائقية التي تعنى بالتاريخ، ورغم تركي المدرسة لتوفير لقمة العيش لإخوتي، إلا أنني لست نادما بل سعيد بما فعلت.. وفرت حياة كريمة لعائلتي بعدما ترك لي والدي أيتاما، وكان بعض إخوتي وأخواتي صغارا، وأصغرهم كان يناديني حينها (يابا)، ثم تزوجت وأسست أسرة دون الحاجة لأحد".

في خمسينيات القرن الماضي، تعلم والد علي من خاله المهنة وكان في الثامنة من عمره، وكان خاله قد تعلم المهنة من شخص أرمني في مدينة يافا قبل النكبة، وكانت يافا تسمى "أم الفقراء" نظرا لتوفر فرص العمل وازدهار الحياة فيها، كما يشير علي عودة.

كان أصحاب المهن في خمسينيات القرن الماضي يتجولون في التجمعات القروية ويختارون مكانا لبدء العمل بمهنتهم في الساحات العامة. وأتقن الكثير من اللاجئين عدة مهن كي يعتاشوا منها. أما الوالد عودة الطريفي "أبو علي"، فكان يتجول بحثا عن صيانة وتصليح الأحذية في قرى دير غسانة وبيت ريما شمال رام الله والتي كان يسكن بها حينها، قبل أن يستقر به المقام بعد عدة سنوات في مدينة البيرة وافتتح محلا قرب ميدان المنارة وسط مدينة رام الله المجاورة.

واختار أبو علي محلاً صغيراً لزهد أجرته التي كانت تبلغ حينها 4 دنانير، وكان يوفر دخلاً يقدر بنحو 11 ديناراً، وهو دخل أكثر بكثير من راتب أية وظيفة في ذلك الزمن.

مهنة صيانة الأحذية لا تحتاج إلا إلى عمل يدوي، مطرقة وسندان، ومسلة وخيوط ومسامير، وكماشة وأدوات بسيطة أخرى، بعكس ما تحتاج له من التفصيلات وماكينات هذه الأيام. وكانت صناعة الأحذية تقتصر غالبا على صنع "الشواريخ"(أحذية مكشوفة) من "الكاوتشوك"، أو أحذية جلدية محدودة الأشكال تخدم مرتديها نحو خمس سنوات.

وكان أبو علي يتقن الصنعة وعلمها لابنه علي، أما اليوم فصارت صناعة الأحذية بحاجة لمكان واسع، ومصنع مليء بالماكينات والقوالب وعدّة التصنيع، وهذا دون إمكانات علي الآن، الذي يكتفي بتوفير لقمة العيش بصيانة الأحذية والشنط فقط، أو بيع بعض مستلزماتها.

مهنته وفرت له حياة كريمة بعد وفاة والده(العربي الجديد) 




في محله قرب ميدان المنارة، يبدأ علي الطريفي عمله قبل دوام الموظفين ويغلق المحل وقت الغروب. ومنذ الصباح يكاد محله لا يخلو من الزبائن الذين يقصدونه بسبب إتقانه لعمله، وبعضهم كانوا زبائن والده من قبله.

يقول أبو عودة: "م
وتبحث عنه أينما كان، والأهم أن تعامل الجميع بالأسعار سواسية، وأن تكون خلوقا وتحترم زبائنك، كما كان يوصيني والدي دائما"، مؤكدا أن بإمكان الإنسان أن ينجح بأية مهنة لو أراد ذلك.

يتقن أبو عودة كذلك صيانة الماكينات المستخدمة لصيانة الأحذية، فمهنته هذه تحتاج للسرعة وعدم تعطل العمل، والزبون يريد أن يصلح حذاءه بسرعة، علاوة على أن إتقان صيانة الماكينات يوفر المال ويزيد الأرباح.

نصائح أبو عودة الصادقة تجعل الزبائن يعودون إليه فقراء وأغنياء، فهو متقن لعمله، يجدد الأحذية التي تصلح للتجديد، كما يعمل على قولبة الجديد منها.

تمكن أبو عودة من تعليم اثنتين من بناته في الجامعات الفلسطينية، ويستعد لتعليم أبنائه ما يريدون. لكن ابنه البكر يصر على تعلم مهنة والده، خاصة بعد معاناة أبو عودة من آلام في الظهر ومشكلة في النظر.

وبرغم أن مهنة صيانة الأحذية في رام الله، لا يوجد من يمارسها سوى ثلاثة، وبالكاد تكفي محافظة رام الله والبيرة، إلا أن الكثير من أصحاب تلك المهنة تركها وفتح محلا تجاريا بدلا عنها، فالمحل في رام الله تبلغ أجرته السنوية نحو مليون شيقل (عملة إسرائيلية) بما يعادل (نحو ربع مليون دولار) في بعض الأحيان، علاوة على زهد أجرة الصيانة ما اضطر الكثيرين لأن يفكروا بالتجارة بدلا من البقاء في مهنتهم، أما أبو عودة فهو مكتفٍ بمحله بذات المهنة التي ورثها عن والده، لأن محله صغير وأصبحت المهنة جزءًا من حياته، لكن "الحال مستور ولست بحاجة لأحد"، كما يشير.


أيام الانتفاضة الأولى كان ميدان المنارة مسرحا للمواجهات بين جنود الاحتلال والشبان، وهو ما أثر على المحال المجاورة، وخاصة أصحاب الصنعة، وكان الجنود يلقون بقنابل الغاز المسيل للدموع في المكان، ما أثر سلبا على مهنة أبو عودة، واستمر الحال على ذلك مدة أربع سنوات، لكن زبائنه عادوا إليه مرة أخرى بل زاد عددهم أكثر، ومنهم من يأتي إلى محل أبو عودة ليتذكر طفولته ومن بينهم مسؤولون ووزراء، بحسب قوله.

أبو عودة يشدد على أن لكل إنسان في المجتمع دورا مهما يجب أن يؤديه، مهما كان عمله، ويقول: "المجتمع ينجح ويصبح صالحا إن أتقن كل واحد فينا مهنته وعمل بإخلاص، واحترم الناس يحترموك أينما تذهب". 



دلالات

المساهمون