خانات العراق...تاريخ مهدد بالزوال

خانات العراق...تاريخ مهدد بالزوال

20 اغسطس 2017
الخانات كانت لها نفس أهمية فنادق اليوم(علي السعدي/فراس برس)
+ الخط -


تختلف المصادر التاريخية في أعداد الخانات العراقية المتواجدة لليوم، وهي ترواح بين 118 إلى 980 خانا، وشيّدت في القرون الماضية من أجل راحة القوافل والمسافرين، لا سيما التجار منهم. لكن الخان كما الكثير من الأزقة والمعالم العراقية تغيرت ملامحه وتبدلت تفاصيله مع مرور الزمن، فخانات العراق كانت عرضة للزوال وبعضها فقط ظل يحتفظ ببعض بنائه والاسم فقط.

ويعتبر خان دلّه، أكبر محل لتجارة الأقمشة في العراق لليوم. وخان الكعبوري الواقع في الكاظمية، شمالي بغداد، والذي أقترن اسمه بتأسيس الجيش العراقي في باحته الواسعة، حين تم استعراض أول فوج يوم 6 يناير/ كانون الثاني عام 1921، وسمي في حينها (فوج موسى الكاظم). وشيّد هذا الخان في العهد العثماني بالطابوق وسقف بالخشب والحصر، وهدم في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وقسمت أرضه إلى قطع صغيرة اتخذت دوراً للسكن ومحالاً ما زالت قائمة حتى اليوم، ويمكن أن يكون خان باب السيف المتاخم لساحة الشهداء اليوم، أطول عمرا من أقرانه، لكنه هدم في عهد عبد السلام عارف 1966.

أقدم الخانات

يعتبر خان مرجان من أقدم وأعرق الخانات في بغداد والذي شيد من قبل السلطان أمين الدين مرجان، مولى الشيخ أويس خان الإيلكاني الجلايري (755-773 هجرية / - 1374- 1456 ميلادية)، ويقع في جانب الرصافة من بغداد قرب المدرسة المرجانية، عند مدخل شارع أسامة بن زيد حالياً، وهو أحد خانات بغداد المشهورة، ولقد بني في الفترة بين عامي 758هـ/ 1356م - 760هـ/1358م، وعرف في العهود المتأخرة باسم خان الأورتمة، أي الخان المستور أو المغطى.

أما خان بني سعد، فيتبع قضاء بعقوبة ضمن محافظة ديالى، وشيد في العام 1878م، ويحتوي على آثار شامخة، وهناك الخان الأثري ذو الطراز الإسلامي الذي عرف باسم خان النص، وشيد من قبل السلطان سليم العثماني.

وكذلك هناك خان اللاوند ويقع في سوق الفضل، ولقد شيده الوزير داود باشا والي بغداد سنة 1232هـ /1816ميلادية، وأسكن فيه عسكر (اللواند) التي كانت مهمته الحفاظ على الوالي. وكانت مساحة الخان واسعة ولكن التغيرات التي طرأت عليه نتيجة الإهمال دعت والي بغداد نامق باشا عام 1897 ميلادية إلى أن يجعل ساحته متنزها وبنى في وسطه حوضا للماء، وغرس فيه النخيل والأشجار وسوّره بسور من الحديد، وبقي على هذا الحال حتى عزل الوالي وخلفه آخرون فأهملوا أمره وقطعت مساحته قطعا فأصبح شبه محلة عامرة.

ويوجد كذلك خان قابجلير كهيه سي، الذي شيده رئيس البوابين إسماعيل آغا، وهو واقع في سوق البزازين على طريق شارع الصفافير. وهناك خان جغان، وهو خان كان يستخدم كفندق للمسافرين في بغداد، ولقد بني خلال القرن الرابع عشر ميلادي. وأهمل مبنى الخان وتعرض إلى الضرر والهدم في عام 1929 ميلادية، وهو واحد من أشهر الخانات في منطقة الشورجة التجارية، وسط العاصمة العراقية بغداد، حيث يعود بناؤه إلى أيام الوالي جغالة زاده سنان باشا عام 1592.

ومن الخانات المشهورة في العراق أيضاً، خان دله الكبير، وكان موقعه في سوق البزازين، وقد شيده الحاج عبد القادر دله بن إسماعيل عام 1904م، وهو خان كبير يتكون من طابقين، متين البناء، وكذلك خان المواصلة، وقد استخدم قسم من المدرسة المستنصرية كخان لتجار الموصل عام 1907م، وخان دله الصغير، وموقعه في المرادية.

وكذلك خان النخلة أو خان مخزوم، وكان موقعه في رأس سوق البزازين وقد شيده الشيخ محمد المخزوم بن أحمد حافظ باشا سنة 1110 هجرية وأوقفه على ذريته.

كما حملت الكثير من الخانات أسماء السلع أو الأشخاص، ومن هذه الخانات المنتشرة في مدن العراق: خان الباججي، خان النخلة أو خان مخزوم، خان كبه الكبير وكبه الصغير، خان الدفتر دار، خان محمد سعيد جلبي، خان الحاج ياسين جلبي، خان باب المعظم، خان البرزنلي، خان الدجاج الواقع في سوق العطارين، خان حجي مراد وخان اليهود، أما في محافظة كركوك، شمالي العراق، فقد تجاوز عدد الخانات فيها الخمسة عشر خانا أشهرها بلدية خاني، قاضي خاني، هنديلار خاني، كمرك خاني، بياز خان، أسعد بك خاني، جقور خاني، ده ده حمدي خاني، كروانجي خاني، وغيرها الكثير.





طريقة بناء الخان

يتألف الخان من ساحة أو باحة مركزية مكشوفة وأحيانا مغطاة بقبة ومن عدة غرف أرضية، وبعض الخانات تحتوي على طابقين، الطابق الأرضي يحتوي على أكثر من عشرين غرفة لخزن السلعة أو البضاعة والتي يخصص اسمها لإحدى الغرف، مثل خان الصابون وخان الجبن، أو يحمل اسم مشيد الخان أو اسم صاحبه. هناك طريقة قديمة اختصت بها العمارة العراقية قبل الإسلامية ووجدت بقاياها في العمارة الساسانية في مدينة الكرخ في عربستان.

وتتميز هذه الطريقة ببناء عقود من الآجر عرضية متساوية توضع بعرض القاعة أو الإيوان وتتوالى وراء بعضها في الاتجاه الطولي، ويُملأ ما بين كل عقدين بقبو عرضي يسير بين الجدارين الجانبيين ويرتفع نصف دائرته فوق قمتي العقدين اللذين يحصرانه وكأن القاعة قد غطيت بقبو طولي كبير ينقسم إلى عقود متوالية تفصل بينها أقبية عرضية. وقد طبقت هذه الطريقة جزئيا في عمارة بادية الشام إبان العهد الأموي في قصير عمره وحمام الصرح، بينما بدأ هذا النوع من الحلول التسقيفية يضمحل خلال الحقبة العباسية، كما أن معظم خانات العراق مكشوفة الوسط.

أهمية الخان

ارتبطت فكرة بناء الخانات في العراق بالحياة الاقتصادية والاجتماعية كونها استخدمت في بعض الأحيان للتبادل التجاري، ومعظم الخانات في بغداد كانت تؤدي وظائف تجارية مهما كان حجمها أو مخططها المعماري وتستخدم بشكل أساسي للإيجار وذلك لأجل خزن السلع والبضائع من قبل تجار الجملة، وفي الوقت نفسه نُزلا للتجار، حيث كانت محط القوافل التجارية التي تقصدها لشراء سلع وبضائع معينة أو بيعها، وكانت هذه القوافل بحاجة أثناء انتقالها بين المدن إلى أماكن للراحة بعد عناء السفر، وكانت الخانات القديمة تحمل طابع الفنادق الحالية إضافة إلى طابع المراكز التجارية التي تعقد فيها الصفقات التجارية.