البحث العلمي المفقود

البحث العلمي المفقود

03 اغسطس 2017
خلال إعداد بحث (تايلور وايدمان/ Getty)
+ الخط -
معظم الكليات في الجامعات تضع في برامج التدريس مادة وأكثر في معظم الأحيان حول البحث العلمي في نطاق الاختصاص المحدد، مع ذلك وعلى الأغلب يتخرّج الطالب من دون أن يمتلك الحد الأدنى من مهارات البحث العلمي، ما يضطرها إلى إعادة تدريس المادة في الدراسات العليا. المقصود هنا القول إن ما تقدمه المرحلة الأولى من التعليم العالي لا مردود فعلياً لها على صعيد القدرة على إعداد بحث ضمن مواصفات مقبولة. وهذا يقود إلى ضعف ظاهر في مستوى إعداد أبحاث مرحلة الدراسات العليا. ومثل هذا الوضع ليس من قبيل الصدفة أو فقط نتيجة قصور ذاتي لدى الطلاب وكسل لدى الأساتذة بقدر ما هو نتيجة طبيعية لوضع معقد يبدأ من الأسرة ويمر على المدرسة، ناهيك عن المجتمع بأسره، ما يعني أن هناك مشكلة حقيقية تتطلب المعالجة ولا يمكن معها الاستمرار في دفن الرؤوس بالرمال وتجاهل وجودها.

بداية لا بد من القول إن الوظيفة الأساسية الثانية للجامعة هي إنتاج الباحثين والأبحاث، وهو ما يتطلّب اعتماد استراتيجيات تتجاوز تدريس المادة بما هي تقنيات البحث في مجال الاختصاص المحدد إلى هزّ ركائز الفكر السائد في الاختصاص فلسفياً ومعرفياً، باعتبار أن وظيفة الجامعة تكمن هنا بالضبط، بما يعنيه ذلك من نقد السائد عبر طرح الإشكاليات ما يفرض مهارات نظرية شبه مفقودة. و يضاف إلى ما سبق فقدان مقوّمات الأعمال البحثية من إجادة العمل على الكومبيوتر وتوفير المكتبات والمصادر والمراجع وسائر المقومات اللوجستية. فقدان هذه وتلك يقود إلى جعل الأبحاث على حد الوصف الملطف للخبير التربوي عدنان الأمين عبارة عن " تأملات وخواطر"، لكن التعبير الأقسى هو الذي وضعه الخبير التربوي نخلة وهبه عنواناً لكتاب له هو" كي لا يتحول البحث التربوي إلى مهزلة". بالطبع لا يقتصر الأمر على البحث التربوي، بل كل بحث في اختصاصات الجامعات والتي تتجاوز المئات من الحقول.

لعل العطب المركزي يكمن في أن البحث ما زال لدينا عبارة عن عمل وجهد فردي ولم يرتق بعد إلى مستوى العمل الفريقي. وليس مرد مثل هذا الوضع غياب البناء المؤسسي فقط، بل غياب التدريب على العمل الجماعي. وجذر ذلك كله في التعليم والتعلم المدرسي مع غياب أساليب التعليم كفرق ومجموعات على الطرائق التربوية ما يكرس النزعة الفردية ويعوّق الجهد ضمن تنسيق مضبوط للأدوار والمهام.

وانطلاقاً من ذلك فالخيار الوحيد المتاح أمام الجامعات هو دفع طلابها للمشاركة في الأبحاث الجادة من خلال إعدادهم المواد الأولية واعتماد إشكالات مفتوحة وجعل المادة مقرِرة في النجاح وعدمه، والتأكيد على حماية حقوق الملكية الأدبية والفكرية والالتزام بالنزاهة العلمية ما يرسخ فكرة التراكم المعرفي ومساهمة الجميع في بنائه. ولا شك في أن الشرط الأبرز يتمثل في اعتماد الصرامة العلمية بعيداً عن العلاقات الزبائنية والعشائرية والمناطقية والعلاقات الشخصية والتشدد في شروط النقاش والنشر.

(أستاذ جامعي)

المساهمون