رصاص عشوائي في أفراح فلسطين

رصاص عشوائي في أفراح فلسطين

18 اغسطس 2017
الرصاص يغلب الرقص بالسيف (عباس موماني/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من حضور السيف والرقص به في الزفات الفلسطينية، فإنّ إطلاق الرصاص يطغى على الأجواء ولو أنّه يسقط ضحايا

إطلاق العيارات النارية في أفراح الداخل الفلسطيني المحتل تقليد معروف تتوارثه الأجيال، شأن مناطق فلسطينية وعربية أخرى. هو مرادف للرقص بالسيف تفاخراً، لكنّ لهذه العادة وجهاً آخر أكثر سلبية، خصوصاً أنّ العيارات النارية تطلق عشوائياً، ما يشكل خطراً على حياة الأبرياء من السكان والمارة، وتهديداً للممتلكات.

عدد من البلدات العربية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، بدأ في مناشدة الأهالي لعدم استعمال السلاح في حفلات الزفاف لخطورته. فقد شهدت الفترة الأخيرة حادثة إطلاق عيارات نارية في حفل زفاف أدى إلى مقتل السيدة نادية برانسي من مدينة الطيبة في المثلث الجنوبي، خلال جلوسها في حديقة بيتها. وقبل عام أيضاً قتل شخص آخر في المدينة بالطريقة نفسها. الشهر الماضي بالذات، أصيب شاب من مدينة رهط بالنقب برصاصة طائشة في يده وهو في بيته أيضاً.

في هذا الإطار، بادر الشاب حمودي جبالي (25 عاماً) من مدينة الطيبة حيث سيعقد حفل زفافه اليوم الجمعة 18 أغسطس/ آب، إلى مناشدة الجميع عدم إطلاق النار في هذا الحفل. وأرفق ذلك في نص دعوة زفافه: "الرجاء ممنوع إطلاق النار" وهي الدعوة التي وزعها على مئات من أقاربه وأصدقائه.

لاقت هذه الخطوة النادرة تأييداً واسعاً من أهالي المدينة وتهنئة على المبادرة المسؤولة. وفي حديث مع جبالي عن مبادرته تلك، يقول: "السبب يعود الى الأوضاع التي نعيشها، إذ شهدت مناطقنا وفاة سيدة وهي في بيتها. باتت ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس تشكل خطراً كبيراً على حياة الجميع، لذلك رأيت أنّ من الأنسب أن يكون تنبيهي من خلال بطاقات الدعوة إلى الزفاف، عدا عن تحدثي إلى كثيرين في ذلك ومطالبتي لهم بعدم استخدام السلاح. بدأت بنفسي من خلال حفل زفافي بالذات لتوعية المجتمع حفاظاً على سلامة الجميع".

حول هذه الظاهرة المنتشرة في فلسطين الداخل وغيرها، يقول الباحث المحاضر في العلوم الاجتماعية الدكتور عزيز حيدر: "سلوكياتنا انفعالية، هذا جزء لا يتجزأ من كلّ الظواهر السلبية في المجتمع مثل العنف والقتل وحوادث الطرقات. بالنسبة لقضية إطلاق العيارات النارية في الأفراح، لا يشذ سلوكنا عن ذلك الانفعال الذي يميز المجتمع ككلّ. هذه الظاهرة موجودة أيضاً في الدول العربية، وليست محصورة بالأفراح فقط، بل تمتد إلى الجنازات هناك".

يشير حيدر إلى أنّ كثيرين لا يعرفون كيفية التصرف في المواقف الانفعالية، وهم بذلك يتبعون السلوك المعتمد لا سيما في التجمعات. كذلك، ليس لدى الناس وعي كافٍ بما يمكن أن تسببه هذه العيارات النارية من خطر وضرر للآخرين الآمنين، ابتداء من الإزعاج وصولاً إلى خطر الإصابة والموت.

يضيف حيدر أنّ هذا السلوك هو نفسه في حوادث الطرقات فالشخص يقود سيارته ولا يهتم بحياته أو بحياة الآخرين: "هذه عادة فيها نوع من التفاخر وإظهار القوة. البارود بدلاً من السيف في المجتمعات الشرقية استبدال لأداة التفاخر فقط، أما التفاخر فهو نفسه".

يشير إلى أنّ هذه الظاهرة تدل على مستوى المجتمع ككلّ: "نحن مجتمع غير عقلاني في هذه الأمور ما يعني أنّنا مجتمع غير فاعل بل منفعل في جميع عاداته. التقليد متوارث كغيره من الأمور التي لم تتغير في مجتمعنا خصوصاً في ثقافة التظاهر والتفاخر. حتى كلمات أغاني الأفراح لم تتغير، فما زلنا نسمع الأغاني التي تمجّد السلاح. هناك من يغلق شارعاً عاماً في بلدة من أجل حفل الزفاف، وهذا تصرف غير معقول، لكنّه يتبع سلوك التفاخر نفسه، مع عدم أخذ إمكانية إزعاج الآخرين بعين الاعتبار".

من جهتها، تقول الحاجة فتحية إغبارية، مديرة قسم الخدمات الاجتماعية في مدينة أم الفحم: "تقلصت هذه الظاهرة بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، بعد تنظيمنا وغيرنا حملات توعية اجتماعية ضد إطلاق النار في الأفراح، وشرحنا حول تداعياتها على الوضع العام وكيفية تأثيرها في الأجيال الشابة. وبالفعل، أجمعت كلّ المؤسسات والجمعيات مع مكتب الشؤون الاجتماعية والقيادات المحلية ورجال الدين وأئمة المساجد على تأييد الحملات. ويبدو الفرق واضحاً هذا العام عن الأعوام السابقة في تقلص الظاهرة".

تضيف: "يمكن تفسير إطلاق النار في الأفراح، بالرغبة في إظهار الفرحة بالحدث، لكنّه مظهر سلبي، حتى بالنسبة للمفرقعات النارية التي حرّمها بعض المفتين. كذلك، فإنّ آخرين يطلقون النار ليثبتوا وجودهم، فالعنف في رأيهم رديف للقوة. هو إثبات خاطئ للذات فهو يأتي على حساب الآخر".