"العنقريب"... تراث يرافق طقوس الولادة والختان في السودان

"العنقريب"... تراث يرافق طقوس الولادة والختان والجنازة في السودان

14 اغسطس 2017
العنقريب السوداني (فيسبوك)
+ الخط -


طاولت الحداثة جوانب الحياة في المجتمع السوداني وأعرافه وثقافته، لكن "العنقريب" ظل صامداً في وجهها، يشارك السودانيين أفراحهم وأحزانهم، كونه عنصراً أساسياً فيها.

"العنقريب" بالعامية السودانية يعني السرير المصنوع من خشب الأشجار المختلفة، من بينها خشب السنط والسدر، ويرتكز على أربعة قوائم وينسج بالحبال المصنوعة من السعف أو فروع النخيل، أو من البلاستيك والنايلون، وقديماً كان ينسج من جلود الأبقار.

وجد العنقريب مع حضارة كرمة السودانية، التي تعدى عمرها آلاف السنوات، وحافظ على رونقه، مع تطورات بسيطة في شكله رغم أن الأصل ظل ثابتاً كما هو.

يدخل "العنقريب" ضمن دورة حياة الفرد السوداني منذ الولادة حتى الموت مروراً بالختان والزواج، إذ إنه يعتبر مرتكزاً أساسياً في تلك المناسبات. فعند الولادة كانت المرأة تنام عليه عند الوضع، وكان يستغل عند الختان باعتباره فألاً حسناً، فضلاً عن أنه ضروري في حنة العروس والعريس معاً، إذ يجلسان في ليلة الحناء وسط أهازيج الأهالي والأقرباء. كما يستخدم في طقس "الجرتق" على أن يكسوه اللون الأحمر. و"الجرتق" تقليد سوداني وركن من أركان الزواج.

وعند الأحزان يكون "العنقريب" حاضراً، فعليه يحمل السودانيون موتاهم، ويعرف عندها بأنه "عنقريب الجنازة"، في مفارقة عجيبة لمجتمع عرف عنه التشاؤم والتطيّر والإيمان بالسحر.

ويندر أن تجد بيتاً سودانياً لا يقتني عنقريباً، رغم دخول الحداثة معظم البيوت السودانية بأشكال المفروشات وتنوعها. وتحرص الأسر على ترك مساحة في المنزل لوضع عنقريب أو أكثر لاستخدامه عند الطوارئ، أو لكونه نوعاً من الفلكلور.

رغم ذلك تراجعت صناعته، فقديماً كان هناك سوق كامل في مدينة أم درمان للعنقريب، أما اليوم فتقلص وجوده وصار محدوداً في محال تجارية قليلة ظلت حريصة على إحيائه. في المقابل، زادت أسعاره خمسة أضعاف بسبب الندرة وهجر الكثيرين لتلك المهنة مع إقبال السودانيين على الأسرّة الخشبية الأخرى والحديد.


يوضح صديق، وهو تاجر، أنه ظل يمارس مهنة صناعة وبيع العنقريب أكثر من ثلاثين عاماً، بعد أن ورثها عن أبيه وجده. ويشير إلى الإقبال عليها في الفترة الأخيرة بعدما بهت بريقها خلال الأعوام الماضية. ويقول: "لا غنى للبيت السوداني عن العنقريب، لا في أفراحهم ولا في أحزانهم". ويؤكد أن صناعة العنقريب نفسها دخلت عليها الحداثة، فبدلاً من العمل التقليدي اليدوي، أصبح يصنّع بواسطة المعدات الكهربائية.

وبدا سليمان الحسين، مصنّع العنقريب، متفائلاً بعدم انقراض تلك الصناعة لارتباطها بحياة المجتمع السوداني. ويشدد "صناعتنا لن تموت لأنها تراث"، مشيراً إلى أن كثيرين يلجأون إلى ترميم العنقريب لديهم لأنه إرث من الأجداد.

كثيرون يحتفظون بالعنقريب إلى اليوم، ومنهم من يرى فيه تقليداً لا يواكب العصر فيستغنون عنه، رغم أنهم يحتاجونه في حالات الوفاة فيستلفون واحداً من الجيران.

وتذكر فاطمة (40 عاماً)، أن منزلهم قديماً لم يكن فيه إلا العنقريب، يضعونها متراصة بترتيب في الصالات والغرف. وتشير إلى أنهم يضعون العنقريب في الصيف تحت الأشجار للنوم عليها دون وسادة، ليتغلغل الهواء بين حباله. وتضيف "لكن حالياً الجيل الجديد يرى أنها تقليد قديم وتشوّه المنزل".

أما ريم (25 عاماً)، فتؤكد أن لدى والدتها غرفة كاملة في المنزل خصصت فقط للعنقريب، لا سيما الجرتق الملونة بالأحمر، وتحتفظ بها لأنها من التراث وترفض تبديلها بالأثاث العادي.

ويؤكد الأكاديمي والباحث في التراث السوداني، محمد المهدي بشرى، أن "العنقريب" ظهر منذ حضارة كرمة، وبدا واضحاً في آثارها، إذ وجدوا أن الملك كان يدفن وهو مسجى على "العنقريب" داخل "الدفوفة" مع نحو 500 من رعاياه، مضيفاً "حينها كان العنقريب مصنوعاً من الجلد، كما تغير شكله وظهر عنقريب الجنازة والجرتق وخلافه".

ويذكر المهدي أن حضور العنقريب بشكله الحالي رمزي في ثقافة المجتمع المدني، ويدخل في طقوس دورة الحياة عند الوفاة والزواج والختان والولادة. ويشير إلى ربطه بدولتي الهند وباكستان، نظراً للتأثير القوي للحضارة الهندية على السودانيين.

ويشير إلى حرص السودانيين على وضع عنقريب الجنازة بعد الدفن متكئاً على الحائط ثلاثة أيام، ومنع الجلوس عليه أو إعادته إلى وضعه الطبيعي قبل ذلك خوفاً من وفاة من يجلس عليه.



دلالات

المساهمون