بهرام آشفته... نحات يصنع فناً من خردة السيارات

بهرام آشفته... نحات يصنع فناً من خردة السيارات

08 يوليو 2017
"الفنان الحقيقي يستطيع تحويل أيّ شيء" (العربي الجديد)
+ الخط -

باكراً بدأ النحات بهرام آشفته برسم المجسمات التي ستخرج من بين يديه أعمالاً فنية، أساسها قطع خردة باتت تزيّن الساحات العامة اليوم.

اختار النحات الإيراني المعروف بهرام آشفته عنوان "فن أخضر" لآخر معارضه، رغم أن الزوار لن يروا هناك أي لون سوى اللون المعدني لمنحوتاته ومجسماته، التي يحاول من خلالها الإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن للطبيعة أن تولد وتتجدّد من المعادن والحديد نفسه؟ فالخردة التي يخلّفها البشر كثيرة، ما يؤثر سلباً على البيئة، جعلته ينتج "الجمال والفن" منها، ليصبح هذا مع الوقت سرّ تميّزه. يصنع آشفته المجسمات من قطع خردة السيارات بالذات، وهو ما جعله من الأشهر على هذا الصعيد في إيران، وما جعله معروفاً خارجها كذلك.

ولد في العام 1977 وعشق الرسم منذ طفولته. كان قادراً وهو في السابعة من عمره على رسم ما يمكن تحويله إلى مجسمات وتماثيل بيد فنانين محترفين، كما قال له معلمه حينها. إلا أن هواية الطفولة هي التي صقلت موهبته هذه، فكان يهوى جمع قطع الخردة والقطع المعدنية التي يعثر عليها ويجدها أمامه في كل مكان. كبر آشفته وعمل في ورش تصليح السيارات منذ السابعة عشرة من عمره. أصبح يجمع الخردة من قطع السيارات المعطلة، التي لم تكن قابلة للاستخدام، وعندما كبر أكثر، أصبح مسؤولاً عن وكالة رسمية لتصليح السيارات.

يذكر آشفته لـ"العربي الجديد"، أن الهواية بدأت تتحوّل منذ العام 2006 إلى أعمال فنية، وأصبح يجمع خلال أوقات فراغه حين يكون متواجداً في الوكالة، هذه القطع ويركبها بعضها مع بعض، فتخرج منها مجسمات لطيور وحيوانات، وحتى لسيارات بدت وكأنها نسخ حقيقية مصغرة. وقد جاءته فكرة أن يجمع ما صنعه في معرض واحد. لم يكن في حينها فناناً محترفاً ولا معروفاً، ولم يتوقع أن تلقى أعماله كل هذا الإطراء. ومنذ ذاك الوقت قرّر أن يدخل إلى عالم النحت والفن المحترف، لينافس كثراً اشتهروا في إيران.

يقول آشفته إنه ليس الأول الذي يستخدم قطع الخردة في صناعة وتركيب التماثيل في إيران "فمنذ خمسة عقود اشتهرت الفنانة جازة طباطبائي، والفنان مش إسماعيلي، وكلاهما معروف، ورحلا منذ مدة". لكن التقنية التي يستخدمها آشفته واستعمال خردة السيارات بالذات هما ما يميزان أعماله. فضلاً عن ذلك، قرر آشفته الذي عشق الرسم والنحت، أن يستخدم الخشب في أعمال تركيبية استعمل فيها خردة السيارات، وبات الأول في إيران على هذا الصعيد. وهو إنجاز مسجل رسمياً في وزارة الثقافة والإرشاد. يقول إن "في الخشب نوع آخر من الحياة، وهو ما يعطي كل قطعة فنية روحاً مختلفة".

عيّنات من أعمال آشفته (العربي الجديد)


حصل آشفته على جوائز عديدة، ومنها الجائزة الأولى في المهرجان التاسع للفنون التشكيلية في إيران، وصمم العديد من المجسمات والتماثيل الكبيرة في أبعادها، ومنها ما نصب في ساحات وميادين مدن إيرانية كبرى، وهو صاحب تمثال "الحصان المعدني" الذي وضع على جسر في مدينة تبريز الإيرانية. كما لاقت أعماله شهرة واسعة خارج إيران ولا سيما في الدول الأوروبية، وهناك دور عرض طلبت منه صناعة تماثيل خاصة لها. شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية، وتوجد بعض مجسماته في فنادق وفي مكاتب سفراء أجانب في إيران.

لاقت أعماله الترحيب، رغم أنها تروّج لفن غير اعتيادي في بلد يكثر فنانوه، ولا سيما أولئك الذين يلتزمون بالخط التقليدي الإيراني "لكن مع ذلك استطاعت الخردة أن تسرق قلوب كثيرين حين تحوّلت لأعمال فنية". يقول إن "الفنان الحقيقي هو الشخص القادر على تحويل أي شيء وأي مكونات لعمل فني حقيقي"، مضيفاً أن "عشق العمل هو ما يعطيه قيمة كبرى ويجعله استثنائياً".

فضلاً عن كل هذا، يقدم أعماله في مجموعات تتقاطع في ما بينها بعامل محدد. فقد قدّم مرة مجسمات صنعها من خردة السيارات لكنه استخدم النقوش الإيرانية التقليدية فيها أيضاً. كما أن لديه مجموعة اسمها "عقاب" تضم مجسمات وتماثيل لأنواع من الجوارح.

وهذا النوع من الفنون بالنسبة إلى آشفته "حتى وإن لاقى ترحيباً في إيران، لكنه لم ينضج فيها بعد، ولم يوصل الفكرة والهدف الحقيقي منها حتى الآن. في المقابل، يحتل في الدول الغربية مكانة هامة، إذ يركز على المفهوم والأهمية البيئية لأعمال من هذا القبيل". وهو السبب الذي يجعل أطرافاً أوروبية مهتمة أكثر بشراء أعماله وعرضها في ساحات عامة. يؤكد أن مفهوم إعادة التدوير بات هاماً للغاية للجميع، وأن العالم اليوم "بات في حاجة ماسة إلى مساهمة الفنانين، وهو ما قد يساعد بحل مشكلات البيئة بشكل أو بآخر".

يعتبر آشفته أن "الحفاظ على هذا النوع من الفنون الحديثة يتطلب دعماً خاصاً من قبل المعنيين والمسؤولين بالدرجة الأولى بما يحمي حقوق الفنانين، فضلاً عن ضرورة الترويج للأعمال بشكل صحيح بين العامة، بما يوصل فحوى الرسالة، ويزيد من تقدير الأعمال الفنية وأصحابها".

دلالات