حراس الأقصى على القائمة السوداء

حراس الأقصى على القائمة السوداء

29 يوليو 2017
أمام باب الأسباط تحت "حراسة الاحتلال" (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

حرّاس المسجد الأقصى يؤدّون واجبهم للحفاظ على قدسيّته، لذا فإنّ اعتداء قوات الاحتلال عليهم هو انتهاك مباشر لحرمة المسجد وكرامة العاملين فيه. هذا ما تؤكّد عليه الهيئة الإسلامية العليا في القدس.

لم تعد وظيفة حرّاس أبواب المسجد الأقصى كغيرها من الوظائف التي تؤمّن لممتهنيها لقمة العيش. أن تكون حارساً يعني أن تكون في احتكاك يومي مع شرطة الاحتلال التي تقف عند الأبواب وأن تتحمل عبء حماية أولى القبلتَين وثاني المسجدَين وثالث الحرمَين الشريفَين، وأن تودّع أولادك في كلّ يوم وكأنّك لن تراهم مرّة أخرى على خلفية اعتداءات المستوطنين المتكررة داخل باحات المسجد.

عقب عملية آل جبارين الأخيرة، اقتادت قوات الاحتلال حرّاس المسجد الأقصى للتحقيق معهم، وحاولت استفزازهم وإرهابهم في مركز الشرطة في المسكوبية فيما صادرت أجهزتهم الإلكترونية والخلوية ومنعتهم كغيرهم من المقدسيين من دخول المسجد الأقصى لأكثر من 12 يوماً.

أبو عاشور - منذر سلهب - حارس ومرابط عند أبواب المسجد الأقصى وفي باحاته لأكثر من 27 عاماً. هو لم يتردد في المرابطة مع المقدسيين الموجودين عند باب المجلس، وفي الحضور إلى المكان يومياً منذ ساعات الفجر الأولى وحتى موعد صلاة العشاء. رفض أبو عاشور الدخول من البوابات الإلكترونية، مؤكداً أنّ "موضوع حماية المسجد الأقصى من قبل الحكومة الإسرائيلية يتضمّن تكريساً لأمر واقع، مثلما حدث في الحرم الإبراهيمي". يضيف أنّ "منع المصلين من الدخول من باب الحطة يثير الشك والريبة حول تكرار تجربة باب المغاربة الذي تسيطر على مفاتيحه قوات الاحتلال منذ عام 1967 والتي لا تملك الأوقاف الإسلامية أيّ سلطة عليه".

ولا يرى أبو عشور مانعاً من أن يشاركه أولاده الأربعة المرابطة، كغيرهم من الشباب المقدسيين. يقول: "دمنا واحد، أولادي ليسوا أغلى من الشباب المقدسيين"، رافضاً وغيره من المقدسيين "الدوريات الإسرائيلية التي تمسّ مشاعر المسلمين وتحدّ من حريتهم في أداء فرائض الصلاة والعبادة في الحرم. كذلك يبدي خشيته من "السيطرة التدريجية على الحرم الشريف، ومن انقلاب دور الحرّاس الإسرائيليين إلى حماة لليهود المتطرفين الذين يطالبون بحقوق فيه". وعلى الرغم من كل الهبات والانتفاضات التي عرفها المسجد الاقصى، فإنّه يصف المرحلة الحالية بأنّها "الأخطر". ويقول إنّ "ما يحدث اليوم لا يقوده فصيل ولا ينتمي لأيّ جهة، فوقوده الشباب المقدسي وغايته الجهاد في سبيل الله. أمّا العنف المفرط المستخدم بحقّ المرابطين، فلم يميّز بين شباب ونساء وأطفال". ويشير أبو عاشور إلى أنّه خلال حراسته، "سُجّلت محاولات متكررة ليهود متطرفين للدخول إلى المسجد الأقصى وهم يحملون السلاح، في حين كانت قوات الشرطة الإسرائيلية تستدعي حرّاس الأقصى للتحقيق معهم بحجة تصدّيهم للمتطرفين".

حراس الأقصى أمام باب المجلس (أياد الطويل) 


من جهته، أبو شريف - ناصر نجيب - وهو حارس منذ أكثر من 30 عاماً، يقول إنّ "الشارع المقدسي واع للمخططات الإسرائيلية، وهو لا يثق بأيّ جهة أمنية تقوم بحماية المسجد الأقصى، بغضّ النظر عن جنسيتها". ويشير إلى أنّ "تجربة المرابطة وكذلك الحراسة من أصعب الأمور وأكثرها تحملاً للمسؤولية. والأقصى لم يشهد خطراً ولا تهديداً من قبل القوات الإسرائيلية مماثلاً للهجمة الشرسة الأخيرة". أبو شريف عاصر وشهد الأحداث المتتالية منذ بدء عمله في عام 1987، مؤكداً أنّ "الأوضاع لم تكن قطّ بالسوء الذي وصلت إليه اليوم. فقوات الاحتلال تنتهك حرمة المسجد الشريف على مرأى العالم بحجّة الأمن، الأمر الذي يمثّل تغييراً للوضع القائم وفرضاً لسيادة احتلالية جديدة". يضيف أنّ "حرّاس المسجد هم خط الدفاع الأول عنه وهم الأكثر تهديداً من قبل القوات الإسرائيلية".

ويرفض أبو شريف إطلاق صفة "السوداء" على قائمة أسماء حرّاس المسجد الأقصى، مشدداً على أنّ "هذه قائمة شهادات الشرف التي يستحقها الحرّاس بعد فترة خدمة طويلة لأولى القبلتَين، في ظلّ صمت عربي وإسلامي أمام الانتهاكات المتكررة على المسجد". وعلى الرغم من اعتقاله يوم عملية آل جبارين وإصابة ابنه الأصغر، وعلى الرغم من التشديد الإسرائيلي والاعتداءات المتكررة، لم يتوانَ أبو شريف عن المرابطة مع أولاده يومياً عند باب الأسباط والصلاة هناك.

أبو شريف خلال أدائه مهامه (العربي الجديد)


أمّا مهدي الحواش فهو من سدنة المسجد الأقصى القدامى، إذ تقاعد بسبب ظروفه الصحية بعد 17 عاماً من الخدمة. ويؤكد الحواش الذي شهد أحداث الأقصى في عام 1990 وأصيب خلالها، أنّ "تعاضد المقدسيين وتكاتفهم سرّ نجاح المرابطة عند أبواب المسجد. فأهالي البلدة القديمة فتحوا بيوتهم للمرابطين وشاركوهم ما يملكونه من طعام وشراب. لم يتردد أحد في مساعدة الآخر، وتوحّد الجميع لمجابهة عدوّ واحد". يضيف أنّ "أحداً لم يخرج من الصف الوطني والديني، وهذه هي الجولة الأولى من جولات مقبلة من الاحتكاك والمواجهة مع العدو. وإذا كان حرّاس المسجد هم الذين في الواجهة، فإنّ كل مقدسي هو مسؤول عن مقدساته الدينية صغيراً كان أم كبيراً".

ويوضح الحواش أنّ "الأوقاف وحدها مسؤولة عن المسجد الأقصى وعن وضع الترتيبات الملائمة فيه لخدمة زواره. فالمخططات الاحتلالية ليست أكثر من انتزاع السيطرة والإشراف عليه من يد الأوقاف". ويتابع أنّ "الأقصى عقيدة، ولن نتنازل عن ذرّة تراب منه".