آباء وأمهات مغاربة وحيدون في دور العجزة

آباء وأمهات مغاربة وحيدون في دور العجزة

24 يوليو 2017
تؤنسان بعضهما بعضاً (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

ليس من المعيب أن يختار أبناء وضع آبائهم وأمهاتهم في دور عجزة في المغرب، إذا ما كانت ظروفهم صعبة. لكن المشكلة في أولئك الذين "يرمون" أهلهم في هذه الدور، ولا يكترثون لزيارتهم أو السؤال عنهم.

مي ك. في العقد السابع. كانت تتنزه في مركز إيواء المسنين في أحد أحياء العاصمة المغربية الرباط. لطالما انتظرت أن يزورها أحد أبنائها، لكن انتظارها طال من دون جدوى، حتى أنها لم تعد تنتظر قدومهم. اعتادت على حياتها في المركز، من دون أن تنسى ما فعله بها أولادها. ويحكي أحد مسؤولي المركز، لـ "العربي الجديد"، قصة هذه المرأة. ابنها البكر، الذي يعمل مهندساً، طلب إيداع والدته في المركز، واعداً بزيارتها كلما سنحت له الفرصة، لكنّه لم يلتزم بوعده. يضيف أن العديد من المسنات والمسنين أودعوا في المركز من قبل أبنائهم، بسبب رفضهم التكفل بهم، فيما اضطر آخرون إلى اتخاذ هذا الخيار بسبب ظروفهم الاجتماعية والمادية الصعبة. ربّما يتقبل بعض الأهل هذا الأمر، من دون أن يكون سهلاً على آخرين، خصوصاً إذا ما شعروا أن أولادهم تخلوا عنهم.

إذاً، تركت مي وحدها في الدار. لم يسأل عنها أولادها الثلاثة، الذين يشغلون مناصب كبيرة. ويوضح المسؤول نفسه أن الأولاد اتفقوا على وضعها في دار المسنين، من دون أن يبادروا إلى زيارتها. وفي محاولة لمعرفة الأسباب، تبين أنها مادية، بعدما رفضت الأم بيع منزل فسيح كانت تقطنه، ففكروا في وضعها في دار العجزة لتظهر وكأنها فقدت عقلها، ما قد يتيح لهم التصرف في أموالها. تقول إنّها عانت في البداية بسبب عدم زيارة أبنائها لها، وقد ظنّت أنّهم وضعوها في المركز تفادياً لأي مشاكل مع زوجاتهم. لكنها صدمت بعدما أدركت أنهم تعمدوا الأمر. تشير إلى أنها لن تسامح أبناءها على فعلتهم هذه.

إلى ذلك، يقول عدد من مسؤولي دور العجزة في الرباط إن مؤسستهم آوت عدداً كبيراً من المسنات والمسنين، بعدما تخلّى عنهم أبناؤهم عمداً. في البداية، كانوا يزورونهم من حين إلى آخر، قبل أن يختفوا تماماً، ويتوقفوا حتى عن الاتصال بهم. هكذا يتفادون طلب أهلهم رؤيتهم.

وضع الوالدين في دور العجزة ما زال أمراً شائكاً في الدول العربية (العربي الجديد)


من جهته، يقول الباحث الديني، إبراهيم بن الكراب، لـ "العربي الجديد"، إن انتشار دور العجزة في المغرب بات "دليلاً على تراجع قيم الأسرة، وهيمنة ظاهرة عقوق الوالدين. فبدلاً من إكرامهما، واهتمام الأبناء بهما، يوضعان في دور العجزة". ويرى أن "قساوة القلب باتت سمة العديد من الأبناء حيال آبائهم وأمهاتهم، بحجة الوضع المادي الذي لا يسمح لهم بالتكفّل بأحد الوالدين أو بهما معاً". يضيف أن "القرآن الكريم اعتبر أن قول أف للوالدين عقوق، فكيف بمن يذهب بوالده أو والدته إلى مؤسسة ترعى العجزة؟ والمشكلة الأكبر أن بعض الأبناء يرمون والديهما في دور العجزة ويختفون".

هذا الواقع دفع القناة الثانية المغربية إلى عرض برنامج أسبوعي بعنوان "الحبيبة مي"، الذي يضيء على قصص أمهات لم يرحمهن أولادهن، ولم ينصفهن المجتمع، وينقل تجاربهن القاسية في الحياة. إحدى القصص المؤلمة، التي هزّت المجتمع المغربي، هي قصة الأم ميلودة التي رماها أبناؤها في الشارع في مدينة بني ملال وسط البلاد، ليؤويها بعض الجيران قبل نقلها إلى مؤسّسة خيرية إسلامية. ونقلت أحد البرامج قصتها ومأساتها بسبب ما فعله أبناؤها. لكنها لم تتمكن من مشاهدة الحلقة، إذ توفيت بعد أيام قليلة من التصوير.

في المقابل، فإن الظروف الاجتماعية أو المادية الصعبة قد تدفع بعض الأبناء إلى وضع آبائهم وأمهاتهم في دور المسنين، على أن يحرصوا على زيارتهم دائماً. ويقول عدد من مسؤولي دار العجزة في الرباط إن هذا الخيار يجعل الأبناء أحياناً أكثر اطمئناناً على أهلهم، في ظل انشغالهم بحياتهم اليومية، وصعوبة التواجد معهم طوال الوقت.

"با إبراهيم" (في نهاية عقده السابع)، هو أحد الآباء الذين لم يتخل عنه ابنه، إلا أن الظروف الاجتماعية والمالية الصعبة كانت أقوى منه. ويقول إنّ ابنه اختار له الدار لأنه يقطن بيتاً صغيراً بالكاد يسعه وأبناءه الثلاثة. وبعدما رفضت الزوجة استقبال والد زوجها في بيت ضيق، إضافة إلى حالتهم المادية الصعبة، كان دار العجزة خياراً.

ويقول الأب المسن إنه يعيش بأفضل حال مع أصدقائه المسنين أيضاً، في أجواء عائلية حميمة. يضيف أن ابنه لم يكن ليضعه في دار العجزة لو لم يكن مضطراً، موضحاً أنه لا يلومه على ذلك، وقد اقترح عليه هذا الخيار كونه الأنسب. وبحسب إحصائيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو مؤسسة رسمية، فإن عدد المسنين في المغرب في عام 2015، بلغ نحو 3.3 ملايين شخص، وقد تجاوزوا الستين عاماً من العمر، أي بنسبة 9.6 في المائة من عدد سكان البلاد.

ويبقى أن وضع الآباء أو الأمهات في دور العجزة في الدول العربية ما زال أمراً شائكاً، إذ إن دورها يختلف بالمقارنة مع الدول الأوروبية على سبيل المثال.