تنمية مستدامة... قبل أن يفتك الجوع بالكوكب

تنمية مستدامة... قبل أن يفتك الجوع بالكوكب

03 يوليو 2017
هل تعيش؟ (عارف يمن/ الأناضول)
+ الخط -
يوميّاً، يؤدي الجوع إلى وفاة أكثر من 24 ألف شخص. هذا الرقم الكبير وغيره لطالما دفع منظمات إنسانية، خصوصاً في أوروبا، إلى إطلاق تحذيرات وخطط تتعلّق بالتنمية المستدامة. ويمكن أن يكون التعاون الحالي مع القارة الأفريقية مثمراً

مع توالي التحذيرات من مؤسّسات ومنظّمات دولية وأممية لمكافحة الفقر والجوع حول العالم، باتت هذه القضية في سلّم أولويات المؤسسات الأوروبية في بروكسل، وتلك المعنية بملفات الإغاثة ومكافحة الفقر والتنمية في أفريقيا. وسعت الأولى إلى تعزيز الشراكة مع الأخيرة، وجرى التوافق أخيراً، وتحديداً في 19 يونيو/ حزيران، بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على إعطاء الدفع لشراكة استراتيجية طويلة الأمد مع القارة السمراء.

أمام هذا التحدّي، يؤكّد خبراء في الشؤون السياسية والاجتماعية الأوروبية، أنه بات ضرورياً أن يعتمد المجتمع الدولي استراتيجيات وخططاً طويلة الأمد بهدف إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي تعاني منها الدول الفقيرة في كل من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ومنها ما يتعلّق بالهجرة والفقر والجفاف والحد من الأزمات الاقتصادية وخلق فرص عمل تسمح للناس بإعانة أنفسهم، بعدما يكونون قادرين على كسب الرزق، فضلاً عن السعي إلى تحقيق استقرار أمني من خلال وقف الحرب الأهلية. ويرى هؤلاء أنّ معظم الكوارث والحروب هي من صنع الإنسان، وأن إنقاذ شخص من الموت جوعاً لا يكفي في ظل المعاناة التي يعيشها الناس في تلك البلدان. بالتالي، فإن توفير الأمن الغذائي ليس سوى خطوة يجب أن تتبع بخطوات عملية أخرى، وهو ما يفترض أن يظهر في القمة الأوروبية ـ الأفريقية التي ستعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل بعنوان "الاستثمار في الشباب".

ويؤكد خبراء أوروبيون في مجال الاقتصاد أن ضمان حق الإنسان في الغذاء لا يجب أن يكون على الورق فقط، بل من المهم تكريس مفهوم التنمية المستدامة، وتفعيل السياسات الزراعية في الدول النامية، وزيادة دعمها، عبر السعي إلى عقد اتفاقيات تجارة عادلة، وزيادة عمليات التشغيل في القطاع الزراعي الذي يفترض رفع نسبة مشاركة المرأة فيه، وتعزيز قطاع صيد الأسماك، وتعزيز التنمية الريفية، وتحسين أجر العاملين في تلك القطاعات، وتقليل عدد ساعات العمل، والحفاظ على سلامة العمال وحمايتهم.

ولضمان نجاح أية خطة، يجب عدم إخضاع السلم الغذائي والسلع الأساسية إلى بورصة الأسعار والمضاربات بين تجار التجزئة والوسطاء في الأسواق، وتخفيف آثار المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، للتقليل من الفقر والجوع والمرض. ويجب أن يترافق ذلك مع التوعية حول أهمية الحفاظ على الأراضي الزراعية وطريقة استغلالها، لتبقى خصبة في ظل تغيّر المناخ على المدى الطويل، ولضمان استفادة الأجيال المقبلة، وأن تعمد الدول الغنية إلى زيادة مخصصاتها في مجال التنمية ومكافحة الفقر والحدّ من الهجرة.

سيادة غذائية
تظهر أرقام منظمات دولية تعنى بالأمن الغذائي أن العالم ينتج ما يكفي من الغذاء لأكثر من سبعة مليارات نسمة. مع ذلك، فإن بعض السكان يتضوّرون جوعاً نتيجة عدم المساواة في الحصول على الغذاء واستخدام المواد الغذائية لأغراض أخرى غير الاستخدام البشري. وتشير الأرقام إلى أن واحداً من بين تسعة أشخاص في العالم يعاني من الجوع، 60% منهم من النساء. ويؤدي الجوع إلى وفاة أكثر من 24 ألف شخص يومياً، في حين أن أكثر من مليار شخص يعانون من زيادة في الوزن والسمنة.

من هنا، يدعو المعنيّون إلى ضرورة اعتماد إجراءات سريعة وعملية للقضاء على الجوع في جميع أنحاء العالم خلال العقود المقبلة، من بينها تطبيق مفهوم السيادة الغذائية، وبالتالي عدم زيادة الإنتاج الزراعي بأي ثمن، وتوزيع الغذاء حيث هناك حاجة، وزيادة العناصر الغذائية المهمة إلى الوجبات الغذائية، منها الفاكهة، للحصول على الكمية التي يحتاج الناس إليها من فيتامينات وبروتينات أيضاً.

مساعدات أوروبية
وفي ظل نداءات هيئات الأمم المتحدة، وإظهار حاجتها وبشكل طارئ إلى ما قيمته 5.6 مليارات دولار، بينها 4.4 مليارات حتى يوليو/ تموز المقبل، يقدّر باحثون في علم الاجتماع والاقتصاد أنّ تلك المناطق في حاجة إلى صرف ما قيمته 120 مليون دولار يومياً، استناداً إلى تقارير صادرة عن منظمات إنسانية وإغاثية تشير إلى معاناة الناس بسبب سوء التغذية والموت. ويعدّ المبلغ كبيراً ويوازي ضعفي الميزانية السنوية لمنظمة الأغذية الزراعية (فاو).

يشار إلى أنّ تقارير صحافية ألمانية أظهرت أنّ برلين سجّلت أرقاماً قياسيّة في ما يتعلّق بالمساعدات التي قدّمتها لمكافحة الفقر والجوع في العالم، وذلك من خلال تقديماتها لبرنامج الأغذية العالمي. وأعلنت وكالة الأمم المتحدة أخيراً أن الحكومة الألمانية ساهمت بمبلغ 791.5 مليون يورو في عام 2016. وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد أعلنوا في قمة مالطا في عام 2015 عن حزمة بالمليارات، من دون العمل على الخطة. وتشير تقارير إلى أن النيجر يستثمر حالياً ما قيمته 750 مليون يورو لمكافحة الهجرة، بعدما أصبح مركزاً للمهاجرين الأفارقة، وباتت مدينة أغاديز الصحراوية مقراً لنقل المهاجرين من غرب أفريقيا إلى الجزائر وليبيا وأوروبا.


وتظهر التحقيقات الميدانية، التي أعدّتها الجهات المانحة في ألمانيا، وبينتها جمعية التعاون الدولي من خلال مشاريعها في كل من تاهوا وزيندر وأغاديز في النيجر، أو ما أطلق عليها إدارة تحدي الهجرة، أن نحو 28.5 مليون يورو تدفع من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي للسيطرة بشكل أفضل على الحدود، ومساعدة المجالس المحلية والإقليمية في تلك المناطق، وتشكيل مجموعات عمل مع السلطات والقبائل، وعرض البدائل من أجل كسب المال، على غرار الأعمال التجارية، وبالتالي الحدّ من نسبة البطالة بالتوازي مع مكافحة عمل مهربي البشر.

استقرار سياسي
يقول مطلعون على ملف الهجرة في أفريقيا إن الواقع على الأرض يعد مختلفاً، لأن السلطات لا تلقي القبض إلا على المهربين الصغار، في وقت يُدعم الكبار من قبل مسؤولي الأمن في تلك المناطق، ويعملون لصالحهم في مقابل حصولهم على المال، علماً أنّه في الآونة الأخيرة، تمّ تضييق الخناق على المهرّبين، وباتت رحلات المهاجرين محفوفة بالمزيد من المخاطر، وهو ما حاول مسؤولون أوروبيون في وقت سابق الاستفادة منه سياسياً وإعلامياً، وفي مقدمتهم منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني. الأخيرة قالت إن عدد المهاجرين من تلك المناطق لم يتجاوز حتى ديسمبر/ كانون الأوّل من العام الماضي 1500 شخص، في وقت كانت الأرقام تشير إلى وصول 70 ألفاً، بهدف إظهار أن سياسة الهجرة الجديدة للاتحاد الأوروبي بدأت تحقّق نتائج سريعة وملموسة، وهو ما ظهر في وقت سابق في تقرير على الموقع الإلكتروني لمحطة تلفزيونيّة ألمانية، حول تعاطي الاتحاد الأوروبي مع ملف الهجرة.

إلا أن رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في النيجر، غيزيبي لوبارتي، كان قد أعلن أن الأرقام جاءت نتيجة خطأ تقني، مبيّناً أنه خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وحده، دخل 11 ألفاً و500 مهاجر من منطقة أغاديز، لافتاً إلى أنّ المهرّبين يعتمدون طرقاً أخرى للهجرة، لتجاوز الرقابة والتفتيش من قبل السلطات المحلية.
ويؤكد خبراء في التنمية الاقتصادية أنه يجب التعامل مع ملفات التعاون والتنمية في أفريقيا بحذر، إذ إن الأموال التي ستضخ في تلك البلدان يجب أن تتبع بعمليات مكافحة للفساد المستشري فيها، ناهيك عن أن الكثير من المهربين لا يمكن أن يقبلوا بوظائف تدر عليهم المال القليل بالمقارنة مع ما يجنونه من عمليات التهريب. على سبيل المثال، تظهر التقارير أن تهريب 25 مهاجراً من أغاديز في النيجر إلى ليبيا، يُكسب المهرب 5000 يورو، علماً أن الأرقام تشير إلى نقل نحو 420 ألفاً في العام 2016 من شمال النيجر إلى الجزائر وليبيا. ويبقى السؤال عما إذا كان يمكن للمشاريع البديلة أن تؤمن لهؤلاء مصدر دخل يوازي تلك القيمة.

هذا السؤال نفسه يطرحه بوتالي تشيفرين، وهو أحد المشاركين في نقاشات تتعلق بملف الهجرة، مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن من يكسب 1500 يورو في الأسبوع لا يمكن أن يقبل بفرصة عمل عادية، في حين لا تبدي الكثير من منظمات الإغاثة تفاؤلاً رغم المساعدات الأوروبية والمبادرات الألمانية. ولم يبق سوى انتظار المساعدات والمشاريع الموعودة من أوروبا، على أمل أن تحقق نتائج ملموسة بدلاً من اقتصاد الهجرة الذي يدفع مواطني تلك البلدان للمغامرة والمغادرة إلى أوروبا.

تمييز
يرى خبراء أوروبيّون متخصّصون في الشؤون الأفريقية، أن كل الخطوات التي تود دول الاتحاد الأوروبي القيام بها في أفريقيا، من خلال تشجيعها مشاريع مختلفة، من تعليم، وأمن غذائي، وتنمية ريفية، وبنية تحتية، وحكم رشيد، وأمن حدود، ومكافحة الاتجار بالبشر، وتأمين وظائف بديلة، لن تكون مجدية من دون التعاون مع المجتمع المدني. ويؤكدون أنه يجب التمييز بين التعاون الإنمائي الكلاسيكي والمشاريع التي يجري تطويرها حالياً، منها مشاريع تمولها الحكومة الاتحادية الألمانية، وتصل إلى 60 مليون يورو، بينها مليونا يورو لتأمين فرص عمل، و1.5 مليون يورو لفرز النفايات، ومليونا يورو للأمن الغذائي، وذلك ضمن حزمة ثنائية مع النيجر ستنفذ خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ويذكّر هؤلاء بما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، بأن المجاعة تهدد 20 مليون شخص في كل من جنوب السودان والصومال واليمن وشمال شرق نيجيريا، مشدّداً على أن المأساة لا يجب أن تصبح كارثة. ويدعو إلى التحرك قبل أن تنفجر الأزمة الإنسانية، لأن الوضع خطير، خصوصاً في البلدان المتأثرة بالصراعات.

تجدر الإشارة إلى أنّ اليونيسف حذرت أيضاً من أن 1.4 مليون طفل يواجهون خطرالمجاعة في أفريقيا في عام 2017، مشيرة إلى أنّ الأسباب كثيرة، من بينها الفقر، والصراعات، والجفاف من جراء تغير المناخ، والتصحر. ويتوقع أن يصيب هذا الخطر 185 ألف طفل في الصومال، و462 ألف طفل في اليمن، و452 ألف طفل في شمال شرق نيجيريا، وطالبت بالتدخل السريع لإنقاذ الأرواح.