مبنى متلازمة "داون" في غزة

مبنى متلازمة "داون" في غزة

18 يوليو 2017
التصميم جاهز (محمد الحجار)
+ الخط -
في مقابل التمييز الذي يطاول الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، قرّرت مجموعة من الخريجات الجامعيات إنجاز مشروع يسعى إلى دمج إحدى فئاتهم

عامٌ كامل أمضته مجموعة شابات خريجات من كلية الهندسة المعمارية في "الجامعة الإسلامية" في غزة للوصول إلى مخطط مبنى كبير بمواصفات دولية يستهدف خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة ممّن لديهم متلازمة "داون" (تثلث الصبغية 21) تحديداً، الذين تصل أعدادهم في القطاع إلى 1800 شخص، بحسب أرقام جمعية "الحق في الحياة" وهي الجمعية الوحيدة في القطاع التي تهتم بشؤونهم.

يعود سبب اختيار الخريجات هذه الفئة كونها مهمشة في قطاع غزة، فكانت غايتهن إعداد مشروع هندسي اجتماعي يخدم هذه الفئة من خلال تصميم مبنى يلائم حاجتهم ويواكب التطور المناسب لحالتهم.

الخريجات اللواتي يبلغن من العمر 23 عاماً، وهن إيناس حبوش وآلاء ياغي وغادة الصوالحي وداليا أبو شمالة، وجدن خلال عملهن أنّ المدارس لا تقبل بوجود هذه الفئة ضمن صفوفها حتى وإن كان أفرادها قادرين على التعلم. كذلك، يتعامل معهم الناس في الشوارع بتمييز إذ يبدي البعض خوفه منهم أو نفوره. جاء عمل المجموعة على المخطط من كلّ الجوانب، ليشكل التصميم مركزاً يهدف إلى دمج هذه الفئة في المجتمع ويؤمّن حقهم في التعليم. هو حلم تأمل الفتيات أن يحققنه يوماً ما.

تقول غادة الصوالحي لـ"العربي الجديد": "في الهندسة المعمارية نهتم بأن يكون لكلّ إنجاز جانب اجتماعي يخدم المجتمع في أيّ فئة من فئاته، وعلى هذا الأساس اخترنا فئة الأشخاص ممن لديهم متلازمة داون".

لاحظت الصوالحي وزميلاتها أن غرفة الرياضة داخل جمعية "الحق في الحياة" ضيقة، وغير ملائمة لأفراد الفئة بحركتهم البطيئة غالباً. ومع حاجتهم إلى التمارين الرياضية لا بدّ من مساحة أوسع. كذلك، فإنّ غرف الدراسة مثلها مثل الغرف المدرسية الأخرى، لا تراعي هذه الفئة. درست المجموعة حاجة الفئة ووجدت أنّ الغرف يمكن أن تشمل تعليماً جماعياً أو فردياً، لأنّ بعضهم يفضل اللعب والدراسة وحده، بينما يفضل غيره اللعب مع الآخرين.

فكرة تصميم المبنى هدفها جذب الانتباه بحسب آلاء ياغي. انقسمت فكرة التصميم الى معنوية ورمزية، وشعار التوعية بالمتلازمة بلونين أزرق وأصفر، والمبنى عبارة عن كتلة منحنية هدفها تعزيز فكرة نمو هذه الفئة. أما الخطوط التصميمية للمبنى فمنحنية وانسيابية تناسب حركتهم الانسيابية، وهو ما يعزز مستوى الإدراك لديهم.

تقول ياغي لـ"العربي الجديد": "الفكرة الأخيرة في المبنى هي كونه قادراً على الاحتواء، وذلك من خلال تصميم حديقة تتوسط التصميم، ما يعني احتواء المجتمع هذه الفئة. هذه الحديقة هي الحديقة العلاجية التي تتيح لهم مشاهدة كلّ الزائرين والتفاعل معهم". أما الأرض التي يتطلبها مثل هذا المشروع فتصل مساحتها إلى 42 دونماً.



استعانت الخريجات بالبحث على شبكة الإنترنت للتوصل إلى التصميم الأنسب الذي يراعي المعايير الدولية لتصاميم الأماكن العلاجية، كما استغرقن ستة أشهر كاملة وهن يجمعن المعلومات الاجتماعية والنفسية عن هذه الفئة داخل مجتمع قطاع غزة والاستفادة من نماذج نجحت في خلق بيئة جذابة لهم حول العالم. أما التصميم فقد تطلب العمل طوال خمسة أشهر.
خصصت المجموعة في تصميمها أماكن خاصة للفن والرياضة والتدريس والزراعة وهي تناسب الأعمار المختلفة لأفراد الفئة.

تقول إيناس حبوش لـ"العربي الجديد": "نسبة الذكاء بين أفراد الفئة متفاوتة، فبعضهم لا يستطيع التعلم. هنا يجدون مكاناً مخصصاً للتعليم المهني، ومهناً خارجية وداخلية مثل غرف الهندسة، وغرف التطريز للنساء، وغرف تدريب الموسيقى. والأخيرة ينتقل إليها الشخص بعد الانتهاء من المرحلة التعليمية واكتشاف ميوله المهنية".

لحظت المجموعة التقسيم ما بين التعليم الفردي والجماعي من خلال تنويع الأثاث. ويطلّ كلّ صف من الصفوف على حديقة ما يعكس بيئة مريحة للدراسة. كذلك، فإنّ واجهة المبنى مصممة في شكل مموج، وألوان المبنى بدرجات مختلفة زرقاء وخضراء تريح من لديهم متلازمة "داون".

تقول حبوش: "المكان يضمّ مساحات زراعية وأحواض أشجار وزهورا إلى جانب نوافير المياه، ولا يقتصر المبنى على التعليم والعلاج فقط إنّما الاسترخاء. كذلك، يمكن استقبال زائرين يساعدون في دمج الأشخاص ذوي الإعاقة".

بالرغم من اعتبار مجموعة الخريجات احتمال تطبيق المشروع في قطاع غزة ضعيفاً، لكنّهن مستمرات لإنتاج تصاميم وأفكار تعود بالفائدة على فئات المجتمع الفلسطيني كافة. ويعتبرن أنّ "الجامعة الإسلامية" مصدر لمشاريع كبيرة وأفكار مميزة لكنّ الظروف التي تعصف بغزة تجعل كلّ ذلك لا ينفذ على أرض الواقع.