يوم كسرنا القجّة

يوم كسرنا القجّة

10 يونيو 2017
كان علينا ألّا نكسر "القجّة" (غوغو لوباتو/ فرانس برس)
+ الخط -

حتّى "القجّة"، التي كنّا نضع فيها مالاً نظنّه تافهاً أو لا قيمة له، باتت فارغة. باتت تُصدر صوتاً أشبه بصدى. قليل من الوقت، ويصير للنقود المعدنية معنى أكبر. نبدأ في احتسابها مثل الصغار، بعددها لا بقيمتها. لن يكون الفارق كبيراً. حتّى هذه النقود، التي تُصدر صوتاً لدى سقوطها على أرض "القجّة"، تختفي. نبحث عنها بين وسادتي الكنبة التي نجلس عليها. لا شيء. ربّما علينا البحث بدقّة أكثر. جميل هذا الصوت، ويصير أجمل حين يملأ الفراغات، فيتحوّل إلى نغمات سريعة... "تن، تن، تن".

هذه قصّة قديمة، وقد خُتِمت اليوم من دون شموع، فربّما تبدأ من جديد.

من دون مال، نشعر بالفراغ، كأنّنا سنهوي أرضاً في أية لحظة. المال، ذلك السند المعنوي والعاطفي، هو ليس ذكراً أو أنثى، مجرّد شيء صنعناه بأنفسنا لتسهيل حياتنا. لكنّ للأرقام مفعول كرة الثلج، وسرعان ما تلتهمنا. أرقامٌ وحسابات وأشياء يمكننا التخلّي عنها والعيش من دونها. أمس فقط، كان ذلك صعباً. وبعد قليل، ستفقد أمور أخرى قيمتها لدينا. وللكون أيضاً مفعول كرة الثلج. بات ضخماً إلى درجة أنه لم يعد يرانا. ونحنُ في فراغ. نحدّق في الأرض ثمّ نهرب منها إلى السماء، تلك المساحة التي قد تكسر حدوداً تكاد تقتلنا. فوق، قد تتفتّت أفكارنا، بعدما نتخيّل كتلة زرقاء تسقط فوق رؤوسنا. في هذه اللحظة، ما من شيء غير هذا الأزرق.

هي النقود قادرة على تحويلنا إلى متسوّلين. تكتمل الصورة بمجرّد أن نتحدّث عن عجز ماليّ، تليه دعوات أو مساعدات ننتظر الفرصة لتعويضها. حُدْبٌ وقد أثقلت الديون أكتافنا. نكتب الأرقام على ورقة، ثمّ نعيد كتابتها علّها تنقص. لكنّها لا تنقص ولا حتى ليرة واحدة. ثم نغيّر طريقة الكتابة، علّ ذلك يريحنا.

علينا ألّا نقلق. هذه حالُنا وحالُ كثيرين، والمصيبة تجمع. ومع كلّ يوم يمرّ، تتغير الضروريات وتتقلّص، ولا يغدو الحديث عن خبز وزيتون أمراً غير واقعي. في كلّ يوم، نقيس قدرتنا على التحمّل. تطوّر العلم كثيراً، وما من ميزان يقيس حالتنا. قد نشعر بدوار أو عجز عن الحركة أو نعاس أو تعب أو نتقيّأ... ونتابع حياةً تئنّ ونئنّ معها.

متسولون وحدب وقلقون وأشياء أخرى. نفعل أو لا نفعل؟ نجلب أو لا نجلب؟ نحن في عصر آخر، في قرية في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن من دون دجاجات أو أبقار. ونحن نُنكر ما يجري حولنا من "عصرنة" وحياة نريدها لها، وهي كانت لنا قبل قليل.

كان علينا ألّا نصحو حين دخلت أمهاتنا غرفنا لإيقاظنا. كان علينا الإصرار على موقفنا، وزج رؤوسنا تحت الأغطية الدافئة. كان علينا ألّا نكسر "القجّة" أبداً، فذلك يوم شؤم.


دلالات

المساهمون