تنور الطين العراقي حاضر في الأزمات

تنور الطين العراقي حاضر في الأزمات

07 يونيو 2017
عائلات كثيرة تفضل خبز تنور الطين (علي الحسيني)
+ الخط -
في قرى العراق، ما زال الأهالي حرصاء على صنع تنور الطين الذي يستخدم للخبز والشواء منذ القدم، حتى بعدما غزت الأسواق سلع مختلفة وأكثر حداثة، من بينها تنور "ستيل" أو الغاز منذ تسعينيات القرن الماضي. إلّا أنّ الأخير لم يؤثّر على مكانة تنور الطين بالنسبة للأسر العراقية.

رافق تنور الطين العراقيّين في أحزانهم وأفراحهم. لذلك، يعدّ استخدامه للخبز أمراً مهمّاً بالنسبة للعائلات. وتقول المدرّسة سندس عبد اللطيف، التي تقتني تنور طين في بيتها، وآخر "ستيل"، إنّه "قبل أعوام عدّة، فكّرت بالاستغناء عن التنور الطيني، خصوصاً أنّ رائحة دخانه تعلق في الملابس. على مدى ثلاث سنوات، استخدمت تنور ستيل الذي يعمل على وقود الغاز". كان ذلك قبيل عام 2003. لكن بعد الغزو الأميركي للعراق، تركت بيتها ومدينتها وانتقلت إلى بيت أهل زوجها في أطراف العاصمة بغداد. "رأيتُ شخصاً يبيع تنور الطين، وشعرت أنني في حاجة إليه. كان زوجي قد فقد عمله، كما أنّ راتبي لا يسد احتياجاتنا. وبعدما استقررنا في منزل خاص، أحضرت تنوراً طينياً جديداً وبدأت الخبز. كنت أشعر بالفرح. يكفي إشعال الحطب حتى يصبح جاهزاً".

من جهتها، تبيع أم حميد التنانير الطينيّة منذ نحو 30 عاماً، إضافة إلى عملها في دكان صغير في إحدى قرى مدينة بعقوبة عاصمة محافظة ديالى شمال شرق بغداد. تقول لـ "العربي الجديد": "تراجع الطلب على التنور الطيني، لكن ذلك لا يعني أن هذا التنور اختفى كما يظن البعض. على العكس، فهو يتأثر بوضع العراق". وتلفت إلى أن البعض يقبلون على شرائه خلال الأزمات الاقتصادية، أي أنّه كلّما ارتفعت الأسعار في السوق، يعود الناس إلى سلع أيام زمان".

لم ينضج بعد (علي الحسيني) 


وتلفت أم حميد إلى أنّ هذا التنور اقتصادي جداً، كما أنّ الخبز فيه أشهى من التنور العادي أو "ستيل"، ويمكن أن نخبز فيه ضعف ما نخبزه في تنور الغاز.
قبل ثلاثين عاماً، بدأت تبيع تنور الطين، الذي كان والدها يصنعه. بعد وفاته، بدأت والدتها تصنعه ثم تعلمته منها. أحياناً، تشتري كميات من هذا التنور ثم تبيعها. وتلفت أم حميد إلى أنّ سعر التنّور الطيني يتراوح بين 20 و30 ألف دينار (ما بين نحو 16 و25 دولاراً)، بحسب الحجم والمواصفات، لافتة إلى أنّ أصحاب المخابز والأفران كثيراً ما يشترون هذا التنور. مع ذلك، تخشى أم حميد عدم متابعة عائلتها هذه الصناعة، خصوصاً بعد رفض أبنائها وأحفادها تعلمها، لأن بيع تنور الطين لا يكفي كمصدر رزق للعائلة.



من جهتها، تقول أم حسين إن مذاق الخبز الذي يعدّ من خلال تنّور الطين رائع. وتوضح لـ "العربي الجديد": "اعتدت صناعة الخبز من خلال هذا التنور منذ عشرين عاماً. ولا يمكنني الاستغناء عنه لأنه مصدر رزق لي ولعائلتي. في اليوم الواحد، أخبز أكثر من مائة رغيف، لأحصل على ما بين 8 و12 دولاراً، بحسب الكمية. سعر تسعة أرغفة ألف دينار أي أقل من دولار، على أن يأتي الزبون بالدقيق".

تنور في العراق3/مجتمع/7-6-2017 (علي الحسيني) 


وتشير أم حسين إلى أنّ تنانير الطين تباع بأحجام مختلفة، منها الكبير والمتوسط والصغير. "أفضّل دائماً شراء الحجم المتوسط لأنّ بيتي ليس كبيراً. أمّا المشاكل التي تواجهني خلال إعداد الخبز، فهي تأمين الحطب بشكل أساسي، خصوصاً أنني أسعى إلى الحصول عليه من أصحاب البساتين، أو أجمع كل ما يمكن حرقه من الكرتون وغيره من مواد".

وعن صناعة تنّور الطين، يقول مشتاق (40 عاماً) لـ "العربي الجديد": "كان جدي ووالدي يصنعان تنور الطين. وقد اعتدت وأشقّائي مراقبتهما ومساعدتهما. كانا يجمعان التراب الأحمر، ويضعانه في حفرة في الأرض، ثم يسكبان المياه عليه. وبعد مرور نحو أربعة أيام، فترة اختمار المواد الأولية، يمكن المتابعة. وفي مرحلة لاحقة، تخلط المواد بالتبن الناعم وتعالج ثم تقطّع قطعاَ صغيرة متساوية تتحول إلى حبال. وبعد لفّ حبال الطين بعضها على بعض، يدهن والدي جدران التنور بالطين الناعم المخمر من جميع جوانبه، ويصنع فتحة صغيرة في أسفل التنور من الناحية الأمامية تسمى الرواج، بهدف إشعال النار وغيرها".

مشتاق الذي يعمل في بيع أنواع مختلفة من التنانير المستوردة، إضافة إلى تنور الطين، يقول
إنّ والده كان يختار صناعة التنانير أيام الصيف، وهذا أفضل وقت لصناعتها إذ تساعد الحرارة المرتفعة على أن تجف التنانير في وقت أسرع. وعن وجود تنور الطين في مختلف مدن العراق، يعزو مشتاق الأمر إلى أسباب عدة، من بينها العامل الاقتصادي. سبب آخر يتمثّل في أن عائلات كثيرة تفضل خبز تنور الطين، خصوصاً إذا كان عدد أفرادها كبيراً. كذلك، فإن مذاق خبز تنور الطين مميّز، كما أنه صحي. حتى إن بعض المطاعم التي تصنع الخبز، تعمد إلى استخدام تنور الطين.
تجدر الإشارة إلى أنّ العراقيين يستخدمون تنور الطين منذ عقود كثيرة. ويفضّل كثيرون اقتناء هذا التنور تحسّباً لأي أزمة قد تعصف بالبلاد.

دلالات