متاهة

متاهة

28 يونيو 2017
ربّما نفلح قبل فوات الأوان (ألكسندرا راي/ فليكر)
+ الخط -

كان الظلام قد حلّ عندما تاهت مركبتها في تلك المدينة الشماليّة. ربّما يكون فعل التيه مُبالغاً فيه، غير أنّ الطرقات هناك أشبه بأزقّة ضيّقة متقاطعة، لا يُدرك الغريب من أين تبدأ ولا إلى أين تنتهي. ربّما يكون ابن المنطقة نفسها قد تاه فيها بضع مرّات، واحدة على أقلّ تقدير.

خبيرة هي في الاتجاهات، هذا ما يُعرَف عنها، غير أنّها لم تتمكّن قطّ من تحديد موقعها في تلك المدينة الشماليّة. في كلّ مرّة تقصدها أو تمرّ فيها عرَضاً، تجد نفسها وقد علقت في ما يشبه متاهة. هذه المرّة، كانت المتاهة أكثر تعقيداً. الأزقّة مظلمة وقد غاب عنها التيّار الكهربائيّ، على الرغم من أنّه كان ثاني أيّام العيد. وفي إحداها، مظاهر مسلّحة ووجوه مريبة. ترتبك وقد شعرت بأنّ ممرّات تلك المتاهة تُطبِق على أنفاسها. كادت نوبة هلع تصيبها في تلك اللحظات التي تحوّلت إلى عشرات الدقائق، لو لم يهدّئ رفيق رحلتها من روعها.

التيه في أزقّة المدينة الشماليّة تلك الليلة، لا يختلف عن التيه الذي تخبره في يوميّاتها. لعلّ ذلك ما جعلها على شفير نوبة هلع. كأنّها في تلك اللحظات والدقائق راحت تستعيد شريط يوميّاتها. كأنّه لم يعد يضيرها أن تعبّر عن هلع وقلق وارتباك لطالما حاولت طمسها في داخلها، تماماً مثلما اعتادت خنق مشاعر أخرى. وتحسّ باختناق وبما يشبه التشويش في ذهنها. ربّما تكون في تلك اللحظات بالذات أدركت تلك المتاهة حيث تضلّ طريقها اليوميّة في ممرّاتها الضيّقة.

في تلك اللحظات والدقائق، راحت تشعر بهلع واختناق لم تتمكّن من شرحهما في حينها، غير أنّها أدركت لاحقاً أنّهما لا يختلفان عمّا شعرت به عندما شاهدت شريط "أليس في بلاد العجائب" وهي طفلة في السابعة من عمرها. يُقال إنّ مؤلَّف لويس كارول - الكاتب وعالم الرياضيّات والمصوّر الفوتوغرافيّ الإنكليزيّ - الذي يرتكز عليه ذلك الفيلم، من الروائع الأدبيّة التي وُضِعت في القرن التاسع عشر. لكنّ تلك الرائعة الأدبيّة جعلتها ترتجف فزعاً وهي طفلة في السابعة من عمرها عندما شاهدت أليس في المتاهة، وما زالت تفعل اليوم بمجرّد استذكار تلك المشاهد في وعيها وكذلك في أحلامها الليليّة.. في كوابيسها.

المتاهة في الحلم ما هي سوى تصوير للعالم الداخليّ، لتلك الذات التي يحتويها الفضاء الخارجي، بحسب هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة. أمّا منعطفات المتاهة وتعاريجها فترمز إلى المسار الواجب على المرء اجتيازه لبلوغ محوره الحقيقيّ.. القلب. هنا، يستطيع العثور على نفسه وعلى إجابات حول وجوده. الوجود. ويُطرَح سؤال حول حقيقة لا بل واقعيّة إدراك معناه.. معنى وجودنا. ربّما نفلح بذلك قبل فوات الأوان.. ربّما نفنى في أحد ممرّات تلك المتاهة حيث ضللنا طريقنا.


دلالات

المساهمون