أطفال سيدي رمضان

أطفال سيدي رمضان

23 يونيو 2017
تحفيزه على الصيام والصبر والصلاة (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
سؤال يتفاءل به كثيرون في الجزائر: هل تتذكر أول يوم صمت فيه؟ معظمهم يردّ بابتسامة: "كيف لا وهو اليوم الذي شهد احتفالاً خاصاً في البيت".

يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنّ عادة الاحتفال تلك بصيام الأطفال في شهر رمضان المبارك، أو ما يطلق عليه في الجزائر احتراماً "سيدي رمضان" هي من العادات التي ما زالت متجذرة في كثير من العائلات الجزائرية بالرغم من أفول بعض العادات الرمضانية الأخرى.

تحتفل العائلات بأول صيام للأطفال بطقوس متعارف عليها، يكشف عبد الهادي (20 عاماً) لـ"العربي الجديد" عنها: "كنت في السابعة عندما جربت الصيام في شهر رمضان للمرة الأولى، كان ذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني قبل 13 عاماً. ما زلت أتذكر ذلك اليوم لأنني كنت مثل العريس الذي يحتفى به وتُقدَّم له أشهى الأطباق فضلاً عن هدية من الوالدة".

بدورها، تقول السيدة سعيدة: "يبقى اليوم الأول الذي صام فيه الطفل ذكرى جميلة، إذ يُدعى خلاله الأقارب للاحتفال بالطفل وغيره من أبناء أعمامه الذين صاموا للمرة الأولى". تتابع لـ"العربي الجديد" أنّها احتفالية خاصة ومتميزة لكنّها تختلف بين منطقة وأخرى. تشير إلى أنّ من العادات التي تتخذها العائلات جزءاً من الاحتفال بأطفالها الذين يصومون للمرة الأولى إعداد عصير "الشربات" وهو عصير تقليدي يحضّر في البيوت من مزيج الليمون والسكر وماء الورد والماء، فضلاً عن منح الطفل هدايا ونقوداً وارتدائه زياً خاصاً يوم صيامه. وفي السهرة عقب الإفطار، تحضّر للطفل الحنّاء كرمز للاحتفال. أما الغاية من الاحتفاء الكبير هذا بالطفل فهي "تحفيزه على الصيام والصبر والمواظبة على الصلاة".

من عادات منطقة البليدة، غرب العاصمة الجزائرية، أن تقدم العائلات للطفل الذي يصوم للمرة الأولى "الشربات" في إناء داخله خاتم من ذهب أو فضة ويقدم له في مكان مرتفع حتى "يرتفع شأنه في المستقبل" مع ارتفاع أصوات النساء والرجال بالدعاء له بـ"الصحة والعلم والنجاح في حياته، وأن يرزقه الذرية الصالحة" بحسب الحاجة زبيدة. تتابع لـ"العربي الجديد" أنّ هذه العادات ما زالت حيّة بين أبناء مدينة الورود البليدة، بعدما توارثوها عن أجدادهم: "تبقى هذه الاحتفالات راسخة في أذهان الأطفال مهما مرّ الزمن، فينقلونها إلى أبنائهم في المستقبل جيلاً بعد جيل، كما تحافظ على عادات الجزائريين، وترسّخ العادات والروابط الأسرية".

ولتمييز الطفل الصائم عن بقية أصدقائه وأقرانه وأشقائه، يرتدي يوم صيامه الأول زياً تقليدياً يتألف من قندورة أو قميص من الحرير بالخيط الذهبي للذكور، وفستاناً تقليدي الصنع للإناث. ويرتدي جميع الأطفال الآخرون أزياء تقليدية احتفاء بالصائمين الجدد.

وفي سهرة الاحتفالات يقدم الشاي والقهوة مع أشهى الأطباق والحلويات التقليدية التي تعدها النساء في البيوت، مثل "قلب اللوز" و"الصامصة" و"المحنشة" فضلاً عن عروس صواني السهرات وهي "الزلابية". كذلك، توزع الحلويات على الجيران.

في مناطق الشرق الجزائري، يميز الاحتفال طهي أطباق تقليدية مختلفة عن الأيام الأخرى من الشهر الفضيل، فضلاً عن وضعها في أوانٍ فخارية مثلما هو الحال في منطقة الأوراس. هناك يعتبر الفخار وسيلة لإضفاء نكهة شهية على المأكولات التي توزع في ذلك اليوم على الجيران أيضاً بحسب ما تذكره السيدة موني لـ"العربي الجديد". تقول إنّ الفخار بصنعه من الطين يعيدنا إلى أصلنا وهو التراب: "الاحتفال بالطفل عرس حقيقي يعدّه للصبر، ويدفعه لاحقاً إلى الحفاظ على عادات الأجداد مثله مثل أبنائه في المستقبل". بالنسبة للأطباق، فإنّ "شربة الفريك" هي عروس مائدة رمضان مع تحضير طبق "الشطيطحة باللحم" احتفاء بالوافد الجديد إلى روضة الصائمين، بالإضافة إلى مختلف المقبلات والفواكه.

المسؤولية وصون البيت
في منطقة القبائل عادة متجذرة لدى سكان ولايتي تيزي وزو وبجاية ترتبط بالأطفال الذين يصومون للمرة الأولى، إذ يتحتم على ذلك الطفل أن يفطر يومه الأول في أعلى غرفة في البيت. هو طقس رمضاني مميز يتوارثه سكان الولايتين عن الأجداد، وغايتهم فيه أن يرسّخوا في ذهن الطفل الذكر تولّي المسؤولية وعدم التهرب منها في المستقبل، وفي ذهن الأنثى صون بيتها المستقبلي بعد زواجها.