حلويات البداوي بلا زبائن

حلويات البداوي بلا زبائن

21 يونيو 2017
تساعد زوجها في المحل (العربي الجديد)
+ الخط -
مرّ مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في طرابلس، شمال لبنان، منذ فترة بإشكالات كان من نتيجتها تزعزع الأمن فيه. كانت تلك الإشكالات بين مروجي المخدرات، لكن، جرت السيطرة على الأمر وسُلّم العابثون بالأمن إلى الدولة اللبنانية. بالرغم من ذلك، يبقى الخوف قائماً بين سكان المخيم خصوصاً أهالي التلاميذ الذين يهرعون لجلب أبنائهم من المدارس ما إن يسمعوا شائعة حتى عن احتمال إشكال ما. كذلك، يؤثر التوتر الأمني على الوضع الاقتصادي للمخيم، وهو ما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية لدى معظم السكان.

العربة الجوالة كانت الوسيلة التي استخدمها أبو محمد وزوجته لبيع الحلويات طوال عقود. كان أبو محمد يدور بها في شوارع المخيم فتحمل أنواعاً عدة من الحلويات التي في مقدور الزبائن شراؤها من دون إنفاق مبلغ كبير. في شهر رمضان خصوصاً كانا يبيعان الحلويات الرمضانية التي تلقى رواجاً كبيراً، خصوصاً القطايف والعوامة الفلسطينية والمفروكة.

منذ أربع سنوات تطور عملهما إذ فتحا محلاً لبيع الحلويات داخل المخيم أيضاً، تركه لهما فارغاً والد أبي محمد. كان المحل صغيراً وفي حاجة إلى ترميم وهو ما دفعهما إلى العمل بجدّ شيئاً فشيئاً حتى بات جاهزاً بالكامل. بذلك، انتقلت مبيعات الحلويات إلى المحل، لكن مع كلّ هذا، ما زالت العربة وسيلة لبيع الحلويات يستخدمها ابنه في تحصيل الرزق.

تشير أم محمد إلى أنّ المحلّ لا يوفر خدمة التوصيل إلى الزبائن، بل يأتي الأخيرون إليه، عكس ما يفعله ابنهما إذ يجول بحلوياته كما كان أبو محمد يجول سابقاً في شوارع المخيم وأزقته فينتظر السكان مروره ويقبلون على ما يبيع. تتابع: "نحن بدأنا حياتنا بالبيع على العربة الجوالة تلك في المخيم طوال سنوات طويلة حتى تمكنّا من فتح محل".

في خصوص الحلويات الرمضانية، تقول أم محمد: "في شهر رمضان المبارك نعدّ القطايف في العادة، والكنافة الفلسطينية، وكربوج حلب وهو عبارة عن معمول مدّ بجوز نضع فوقه الكريما، كما نعدّ المشبك والعوامات". تضيف: "نحن كنا في السنوات الماضية وما زلنا ننتظر حلول شهر رمضان حتى تتحسن نسبة المبيعات، لكنّ شهر رمضان الحالي، وقد بات في آخر أيامه، شهد أسوأ مبيعات منذ افتتحنا المحل، وذلك بسبب الأحداث الأمنية الأخيرة التي حصلت في المخيم، والتي أثرت بشكل مباشر وسلبي على نسبة المبيعات. يضاف إلى ذلك أنّ الوضع الاقتصادي الذي يعيشه أهالي المخيم سيئ جداً خصوصاً مع ندرة فرص العمل". تردف: "لذلك، ليس لدى الناس قدرة على شراء الحلويات، فلو كنت في مكان أي شخص منهم أسعى بالدرجة الأولى إلى تأمين الطعام لعائلتي، ولاحقاً إن بقي معي مال أشتري الحلويات".

تشير أم محمد إلى أنّه حتى عندما يتمكن الناس من شراء الحلويات يبحثون عن أرخص الأنواع، وبذلك يروج بيع النمورة والقطايف. تضيف: "في السنوات الماضية كنت أنزل إلى المحل لأساعد زوجي وأولادي في تحضير الحلويات منذ ساعات الصباح الأولى حتى وقت متأخر قبل أذان المغرب، أما الآن فلا أنزل إلّا بعد صلاة الظهر وأبقى في المحل حتى أذان العصر، لأنّ حركة البيع خفيفة. وفي فترة المساء وبعد ساعات الإفطار لم نعد نفتح المحل. ولو لم يكن المحل ملكاً لنا لما استطعنا البقاء فيه ودفع الإيجار، فالربح قليل والبيع خفيف". تشير أم محمد إلى أنّ الوضع الاقتصادي السيئ يتفاقم في المخيم خصوصاً مع المزاحمة الكبيرة على المهن في ظل وجود عدد كبير من النازحين من سورية.

تأسس مخيم البداوي عام 1953، وكان مؤلفاً من قسمين، القسم الأول كان يسمى "الكم الفوقاني"، والثاني يسمى "الكم التحتاني". معظم سكانه كانوا من أهالي المدن الذين لجأوا إلى لبنان في أعقاب نكبة العام 1948، وبخاصة من حيفا وعكا ويافا. كان عدد السكان كبيراً، لكن، مع الاصطدام بالقوى الأمنية اللبنانية في بداية السبعينيات، نزح كثير منهم إلى العاصمة بيروت، خوفاً من محاصرتهم داخل المخيم ومنعهم من الدخول والخروج منه وإليه.

تبلغ مساحة مخيم البداوي نحو كيلومتر مربع واحد، ويعيش فيه اليوم من أهالي المخيم الأصليين نحو 19 ألف نسمة لا غير. مع ذلك، فهو يستقبل عدداً كبيراً من النازحين من سورية، سوريين وفلسطينيين، كما يستقبل عدداً من أهالي مخيم نهر البارد الذي جرى تدميره بالكامل عام 2007 في معارك بين الجيش اللبناني وفصيل "فتح الإسلام". ينتظر هؤلاء في البداوي إعادة بناء بيوتهم في نهر البارد كي يعودوا إليها.

المساهمون