كان لسورية طقوسها

كان لسورية طقوسها

01 يونيو 2017
زينة باهتة (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
لشهر رمضان طقوس اعتادها السوريّون منذ زمن طويل، وتوارثتها الأجيال عن الآباء والأجداد، وهي غالباً ما تعكس تراثهم وأصالتهم. وفي ظل الحرب المستمرة في سورية، بقيت بعض العادات، لتختفي أخرى بفعل الظروف التي فرضتها الأزمة. ويقول خالد، وهو شاب دمشقي، لـ "العربي الجديد"، إنّ للسوريين عادات وتقاليد ينفرودن بها، تتعلق بالتعايش خلال شهر رمضان.

فقبل الإعلان عن اليوم الأول، يتوجهون إلى مساجد المدينة لتأدية صلاة العشاء جماعة. ومع إعلان رؤية هلال رمضان، يبدأ أئمة المساجد صلاة التراويح، وهي عبارة عن 20 ركعة.
وعقب صلاة التراويح، يزور معظم الأهالي بعضهم بعضاً ليباركوا بحلول الشهر. وعند حلول موعد السحور (قبيل أذان الفجر بساعتين أو ثلاث)، اعتاد السوريون تناول الألبان والأجبان ومربى المشمش والزيت والزعتر. يوقظهم "المسحراتي" الذي اشتهر بعبارة: "يا نائم وحّد الدائم". يضيف خالد أن أهالي دمشق يتوجهون لتأدية صلاة الفجر في مساجد المدينة، ويقرأون القرآن ويذكرون الله ضمن حلقات جماعية تجمع المصلين في المساجد حتى طلوع الشمس.

وخلال النهار يعمل الأهالي من الساعة الثامنه صباحاً وحتى الثانية ظهراً، للحفاظ على قوتهم، في ظل حلول هذا الشهر في فصل الصيف.
وغالباً ما تتناول العائلات السورية الإفطار مع بعضها بعضاً، خصوصاً خلال الأيام الأولى والأخيرة من الشهر. وتختلف وجبات الإفطار من مدينة إلى أخرى. ففي مدن الساحل السوري، يعمد الأهالي إلى طهي السمك مع الأرز، والتي يطلق عليها اسم الصياديّة، فيما يشتهر أهالي مدينتي حماة وحمص بطبخ الشاكرية، والتي تتكوّن من اللحم مع اللبن والأرز. أما في مدينة حلب، فيتناولون المحاشي على أنواعها. وتختلف المقبلات بين محافظة وأخرى.

أحد بائعي العصائر في حمص، ويدعى أبو هاني، يقول إنّ سورية تتميّز بالعصائر الباردة على موائد الإفطار، وهي مشروبات رمضانية. من أهمها وأشهرها شراب "عرق السوس"، والذي يعدّ من أشهر المشروبات الشعبية في دمشق القديمة وحمص وحماة واللاذقية. ويصنع هذا المشروب من نبات السوس، ويتميز عرق السوس بفوائد عدة، منها مقاومة العطش. كذلك، يساعد في عملية الهضم، خصوصاً بعد وجبة الإفطار الدسمة.

وهناك شراب "التمر الهندي" المرطّب. وكثيراً ما يتناوله الأهالي خلال شهر رمضان، إذ يساعد في التخفيف من آلام الرأس التي عادة ما يعاني الصائمون منها، خصوصاً في أولى أيام الشهر. أما شراب قمر الدين المستخلص من المشمش المجفف، فقد اشتهر بهذا الإسم لأنه عادة ما يرافق رؤية قمر الشهر أي "هلال رمضان". كذلك، هناك الجلّاب وغيره من العصائر المرطبة، والتي يجب أن تكون موجودة على كل مائدة سورية عند وجبة الإفطار.



من جهة أخرى، يقول الناشط الميداني محمد العامري، وهو من مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل من المعارضة، إن عادات شهر رمضان لم تعد كما كانت عليه في السابق. على سبيل المثال، لم يعد باستطاعة أهالي إدلب تأدية صلاة التراويح في المساجد، خوفاً من قصف النظام. وحصل أمر مماثل منذ سنوات في ريف حماة الشمالي، وقد قصف أحد مساجد كفرزيتا أثناء تأدية أهلها صلاة التراويح، ما أدّى إلى مقتل نحو عشرة مصلين. كذلك، حرم النظام الأهالي من تأدية صلاة الفجر في مساجد المدينة للسبب نفسه.

وساهم ارتفاع أسعار المأكولات الرمضانية والمشروبات المرطبة في تخلي بعض العائلات السورية القاطنة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عن عادات كثيرة. فقد وصل سعر كيس عرق السوس إلى 1500 ليرة سورية (نحو ثلاثة دولارات)، فيما وصل سعر كيس التمر هندي إلى 1800 ليرة (نحو 3.6 دولاراً). أما العصائر الأخرى كالبرتقال والفراولة وغيرهما، فقد ارتفعت أسعارها إلى درجة كبيرة، ووصلت إلى 4000 ليرة (نحو 8 دولارات). بالتالي، ليس في مقدور العائلات الفقيرة شراء العصائر كما في السابق.

أمّا في المناطق المحاصرة، على غرار ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي، فلم يعد الأهالي قادرين على تأمين الطقوس الرمضانية البسيطة، بسبب الحصار الذي يفرضه النظام عليهم منذ ما يزيد عن أربع سنوات. ومنذ أشهر، يعانون بسبب انقطاع مياه الشرب عنهم، وزاد الأمر سوءاً مع حلول شهر رمضان.

ظروف مريرة يعيشها سكان المناطق المحاصرة والخارجة عن سيطرة النظام، نتيجة القصف المتواصل، والذي لم يتوقف رغم الاتفاق الأخير "بتخفيف التصعيد في سورية" في عدد من المناطق، عدا عن تداعيات الحصار، وارتفاع الأسعار، وعدم توفر فرص عمل تساعد الأهالي على تأمين لوازم شهر رمضان. أما حال أولئك القاطنين في المناطق الخاضعة للنظام، فليست أفضل، في ظل الضغط الأمني الكبير، وضرورة الحصول على إذن النظام وأجهزته لدى القيام بأي شيء، وحتى في ما يتعلق بالطقوس الرمضانية. من جهة أخرى، فإن الارتفاع الكبير في الأسعار أثّر سلباً على فرحة الأهالي بهذا الشهر.