حي القطمون... المدنيّة الفلسطينيّة في مواجهة النكبة

حي القطمون... المدنيّة الفلسطينيّة في مواجهة النكبة

31 مايو 2017
جولة بحي القطمون للتعريف بالحقوق الفلسطينية (العربي الجديد)
+ الخط -
تستطيع العين بسهولة أن تفرق البيوت العربية المبنية من فترة ما قبل النكبة في حي القطمون الفلسطيني في القدس الجديدة أو الغربية حالياً وتلك المنازل التي بنيت بعد نشوء الكيان الصهيوني.

وتتميز البيوت الفلسطينية المهحرة أو التي استولى عليها إسرائيليون في عمارتها بالبناء بالحجر العربي والتصاميم الحديثة للأحياء العربية الراقية والتي لا تختلف عن البيوت في الخليل أو رام الله أو يافا وحيفا ونابلس، إذ إن جميعها بُني في تلك الفترة قبل مائة عام تقريباً. لكنها هجّرت خلال حرب 1948 وأصبح مالكوها اليوم من الإسرائيليين.

في السياق نظمت جمعية "ذاكرات" جولة في حي القطمون بالقدس الغربية في نهاية الأسبوع الماضي وذلك ضمن فعاليات إحياء الذكرى 69 للنكبة الفلسطينية، إذ احتُل هذا الحي بعد معركة دامت من الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومارس/ آذار من العام 1948. ولا تزال الشواهد العربية ماثلة في ذلك الحي الذي يقع على رابية مشرفة على معظم أحياء ما يسمى القدس الغربية حالياً، وأكثر نقاط القطمون إشرافاً دير مار سمعان، وهو مقر الكرسي البطريركي الصيفي للروم الأرثوذكس.

ومن بقايا الوجود العربي هناك بيت خليل السكاكيني الذي ما يزال قائماً، وهو مؤلف من طبقتين من الحجر، ولقد تحول الطابق العلوي منه إلى حضانة أطفال، أما الطابق الأول فتملكه عائلة يهودية. وكذلك هناك بيت عبد الكريم وحسن الكرمة والذي ما زال شامخا والذي ولدت به الكاتبة غادة الكرمة قبل عام النكبة. وبيوت عائلة الدجاني التي كانت تقطن الحي ما زالت شاهدة على المكان والزمن الفلسطيني الماضي. أما شارع ودوار عابدين فقد تحول اليوم إلى شارع "راحيل أمينو" والتي تعني راحيل أمنا.

وصار حي القطمون اسما يتردد في الأخبار خلال حرب 1948 بعد قيام المليشيات الصهيونية بتفجير فندق سميراميس الكائن فيه، والذي أصبح الإسرائيليون يطلقون على اسم الشارع الذي كان مشيدا فيه اسم "حايش".



ولقد كانت عملية تفجير سميراميس الإرهابية نقطة فاصلة في مجرى الأحداث هناك واحتلال المليشيات الصهيونية لحي القطمون وتهجير سكانه الفلسطينيين. وأقامت جمعية ذاكرات معرضا بعنوان "هنا في اللاهُنا" في ثلاثة بيوت لإسرائيليين بحي القطمون واشتمل المعرض على الجوانب الحياتية التي انعكست في الصور والمراسلات والخرائط والوثائق الأرشيفية وهي حكاية وقصص عائلات الغائبين الفلسطينيين.

هنا في الحيز الخاص للبيت القائم في حي القطمون في أيامنا هذه، اجتمع الماضي والحاضر في حيز مشترك، حيث يتحول الغياب إلى حضور، واللا-هنا إلى هنا.

وفي السياق قال عمر الغباري من جمعية "ذاكرات": هنا في اللا هنا جملة من جدارية الشاعر محمود درويش التي تحاول أن تعبر عن جزء من مشاعر الإنسان الفلسطيني عندما يقوم بزيارة لحي فلسطيني مثل القطمون. كأنه يكون موجودا وغير موجود.

وأضاف أن اختيار حي مدني هام في مدينة القدس تم احتلاله في عام النكبة جاء من منطلق تعريف الجمهور بشكل عام والإسرائيليين من ضمنهم، بالحياة المدنية الفلسطينية أولاً لتكملة القصة عن النكبة الفلسطينية والتي عادة نركز على القرى الفلسطينية المهجرة. وبرأينا أيضا من الخطأ أن نرسخ في أذهاننا أن فلسطين كانت فقط قرية. واختيار حي متطور ومدني وحديث في الجزء الغربي من القدس جاء ليكمل الصورة بأن المجتمع الفلسطيني كان مدنياً. والمدن الفلسطينية والأحياء فيها كانت عصرية وفيها كل ما يفكر فيه الإنسان في أي مدينة عصرية. ونحكي قصص الأشخاص الذين كانوا هنا".

يمتاز حي القطمون، بأنه حديث والبناء فيه على الطراز العصري، إذ كان من أول الأحياء في المدن الفلسطينية التي شهدت حركة عمرانية حديثة وذلك في العام 1870. ولقد كانت أرض الحي مملوكة للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، قبل أن يتم بيعها لعائلات فلسطينية.

البيوت بنيت بتصميم معماري حديث وجميل، سكنها الناس من النخبة الفلسطينية المقتدرة ماديا. وبرز منها الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، وحسن الكرمي كان مراسلا لإذاعة بي بي سي في القدس. وولدت فيه الكاتبة غادة الكرمي صاحبة سيرة "البحث عن فاطمة" وكذلك أقام فيه خليل السكاكيني. وقسم كبير من الحي كانت تملكه وتقطنه عائلة الدجاني.

وشرح الغباري كيف هجّر سكان الحيّ الفلسطينيون إذ قال "هاجمت عصابة الهاغانا الصهيونية في 5 يناير/ كانون الأول 1948 فندق سميراميس وقتل 27 شخصا. خلال ليلة وحفلة عيد الميلاد للمسيحيين الشرقيين في الفندق. كان الانفجار شديدا وبعد منتصف الليل. وهذه الحادثة أدت إلى إرهاب الكثير من العائلات الفلسطينية، وأدركوا حينها بأن المكان غير آمن وأن العصابات الصهيونية اخترقت الحي. وفعلا بالإضافة الى الانفجار في سميراميس كانت هناك عدة تفجيرات في منازل خاصة".

وتابع "الهدف كان تهجير الناس منه. في الموجة الأولى بعد تفجير الفندق هجرت العائلات، لتبحث عن مكان أمن. ولكنها لم تبعد كثيرا فذهبت الى أحياء مجاورة كالبقعة ومأمن الله والمصرارة بالقدس. حتى تهدأ الأحوال. جزء من العائلات الفلسطينية عادت إلى بيوتها بعد أن هدأت الأحوال، وعندما أكتشف الصهاينة ذلك قاموا بوضعوهم في منطقة مغلقة خصصوها للعائلات الفلسطينية التي بقيت في المنطقة كما حصل في باقي مدن فلسطين كيافا واللد والرملة. وجمعوا الفلسطينيين بحي البقعة في القدس وأغلقوا عليهم وكانت معتقلا وقد أطلقوا عليهم اسم العائلات الأجنبية".

وخلال الجولة في شوارع حي القطمون مع دوريت نعمان، التي تؤرخ الرواية الفلسطينية للحي وتصنع الأفلام الوثائقية عنه، سردت رواية تفجير فندق سميراميس قائلة "دخل إسرائيليان إلى الفندق بلياس عربي وحجزوا غرفة، وخلال ساعة كان هناك تفجير قوي هز المبنى كله وهدم الجزء الجنوبي من المبنى وقتل 27 شخصاً".

وفي حديث مع محمد الجندي المشارك في الجولة فقد قال: "أنا مهجّر من دير ياسين وأسكن في حي سلوان بالقدس حالياً، وهذه أول جولة لي بالمعنى الحقيقي، سبق وقرأت لخيل السكاكيني وقرأت رواية غادة الكرمي (البحث عن فاطمة) وتحدثت في الرواية عن منزلهم في حي القطمون، كنت دائماً أتمنى أن تتاح لي الفرصة أن أزور المنطقة وأتعرف على البيوت وعلى طبيعة أراضينا التي هجّرنا منها، لن يضيع حق ما دام يوجد مطالب".