جدّو رمضان

جدّو رمضان

24 مايو 2017
بقي كذلك إلى حين لفظته الحياة (من الإعلان)
+ الخط -

حماسة استثنائيّة تلك التي كانت تغمره. ابتسامته التي لم تكن تفارقه إلا لبرهات، كانت أكثر انفراجاً. خبرة جديدة تلك التي كان يخوضها، وتحت الأضواء هذه المرّة.

في مثل هذه الأيّام، قبل أربعة أعوام، قبيل شهر رمضان الذي حلّ حينها في يوليو/ تموز، كان يعيش ذلك الستّينيّ تجربة لم يسبق أن خبرها. هو اختير لدور "جدّو" في إعلان رمضانيّ مصوّر. لم يتقدّم لأيّ اختبار أداء، بل اختاره منتِجٌ التقى به صدفة ورأى فيه "الجدّو المثاليّ" للإعلان الذي تعدّه شركته. لم يمانع هو، بل رحّب بذلك، بابتسامة عريضة وحماسة كبيرة. لطالما رغب في أن يُنادى "جدّو".. في أن يكون "جدّو". لم يحظَ بتلك الفرصة. لم يُرزَق بأيّ حفيد، فأتى عرض شركة الإنتاج تلك ليلبّي شيئاً من رغبته وليعوّض بعضاً من حسرة لازمته حتّى أيّامه الأخيرة. ربما يكون قد بالغ في أمر تلك "الحسرة"، غير أنّ كلّ أصدقائه كانوا قد رُزِقوا بأحفاد. هو الوحيد الذي بقي خارج تلك الثلّة. كان يشعر بما يُشبه الخيبة.

عند انتهاء جلسات التصوير، كان يبدو جذلاً كطفل صغير. هو لم يتخلَّ يوماً عن الطفل داخله. ويُخبر بحيويّة غامرة عن يوميّاته تحت الأضواء، وكيف كانوا ينادونه "جدّو" وكيف كانت تجربة مأدبة الإفطار إلى جانب "التيتا" وأبنائه وأحفاده المفترضين، وكيف كان هؤلاء الأحفاد يحيطون به وهو يدلّلهم. ويغوص في التفاصيل. هو اعتاد تضمين سرده - أيّ سرد كان - تفاصيل مملّة، إنّما بأسلوب خاص عدّه كثيرون محبّباً. ويعبّر عن فرحته بتلك القلنسوة البيضاء التي كان يعتمرها خلال التصوير، وقد رأى أنّها تليق به.

انتهت جلسات التصوير وعاد إلى الحياة.. إلى واقعه. وعاد ليعبّر عن رغبته في حفيد يملأ عليه الدنيا. هو لم يكن عجوزاً يلازم منزله، في حاجة إلى من يبهج أيّامه المملّة. هو كان لا يزال في كامل نشاطه، يمارس رياضته الصباحيّة ويقضي نهاره في العمل ولا يفوّت مناسبة اجتماعيّة إلّا ويشارك فيها ويهتمّ كذلك بالسياسة. كان يحبّ الحياة، كان شغوفاً بها. بقي كذلك إلى حين لفظته تلك الحياة.

في ذلك العام، لمّا حلّ رمضان، كانت أيّام عدّة قد انقضت مذ أسلم الروح. لم يحظَ بفرصة مشاهدة الإعلان الذي عرضته إحدى الفضائيّات العربيّة، مثلما لم يحظَ بفرصة رؤية حفيد. لكان شعر بالفخر لو شاهد ذلك الإعلان وهو يُبثّ على الشاشة الصغيرة، مثلما كان ليفخر لو دلّل حفيداً له.. من لحمه ودمه.

اليوم، ما زالت القلنسوة البيضاء التي كانت تليق به محفوظة في أحد أدراج خزانة غرفة نومه. اليوم، لم تعد تفصلنا عن شهر رمضان سوى أيّام ثلاثة، فيما "جدّو رمضان" ما زال بطلاً من أبطال الإعلان الموثّق في قرص مدمج محفوظ إلى جانب القلنسوة البيضاء في أحد أدراج خزانة في غرفة كانت له.


المساهمون