هشام الحلوة... سحر ملوّن في يدَيّ صاحب الملامح الهادئة

هشام الحلوة... سحر ملوّن في يدَيّ الشاب المغربي صاحب الملامح الهادئة

20 مايو 2017
يحوّل الخيوط إلى أسوار وما إليها (العربي الجديد)
+ الخط -

هشام بائع متجوّل ليس كسواه. هو شاب فنّان يحوّل الخيوط بين يدَيه إلى أسوار وما إليها. ويعرض مصنوعاته للبيع، من دون استجداء أحد.

عند بوابة الدير الذي تعيش داخل أسواره راهبات قليلاً ما يصادفهنّ المتوجّهون إلى سوق الداخل في المدينة القديمة لطنجة، يقف هشام الحلوة. بمحاذاة قضبان السياج الأسود، يلقي صندوقاً مستطيلاً مبطّناً بقماش مخمليّ أحمر، علّق فيه الأساور والأقراط والسلاسل التي صنعها بيديه بمزاج "كناويّ".

هناك، يقف الشاب الذي يبلغ الواحدة والثلاثين من عمره، بملابسه البسيطة المتناسقة وبشعره المسرّح بحسب نمط الراستا، الأمر الذي يدفع السائح أو المارّ في ذلك الشارع إلى الالتفات ولو من بعيد إليه وإلى أعماله اليدوية المعروضة. تجدر الإشارة إلى أنّ حركة يديه الرشيقة هي أكثر ما يدفع السائح إلى الاقتراب من هشام.

قبل أن يصل هشام إلى طنجة، شماليّ المغرب، بحقيبته المليئة ببكرات خيوط الصوف والحرير وصندوقه المليء بالهدايا، تنقّل في عدد من المدن المغربية. فخبر مراكش المدينة التي لا تنام، وأكادير ذات الخلجان الساحرة المطلة على الأطلسي، والصويرة مدينة موسيقى الكناوة. وهو كان قد انطلق من مدينته الصغيرة الخميسات القريبة من مدينة مكناس المغربية.




يُذكر أنّ كلّ واحدة من تلك المدن تركت أثرها الخاص في هشام وعلى شغفه بصناعة الأساور التي تحوّلت منذ كان في الثامنة عشرة من عمره إلى مصدر رزقه الوحيد. الصويرة على سبيل المثال، منحته إيقاعات الريغي والكناوة التي تتلاءم ونمط الراستا الذي تبنّاه بالإضافة إلى خفّة اليدين والرغبة في صناعة أساور جميلة. أمّا المدن الأخرى إلى جانب طنجة حيث يقيم حالياً، فقد منحته تجارب حياتية وجعلته يتمتّع ببعض الميزات الضرورية لبائع متجوّل من قبيل الصبر وتحمّل مسؤولية نفسه ومسؤولية عمله.

الشاب ذو الملامح الهادئة يملك في أصابع يدَيه سحراً قد يذهل من يراقبه، فهو قادر على تطويع الخيوط الملوّنة سريعاً وبدقّة متناهية. في دقائق معدودة قد يصنع سواراً، على سبيل المثال. والأساور تأتي بأشكال مختلفة، لترمز مثلاً إلى دولة معيّنة وقد صُنعت من خيوط بألوان علمها. وقد يتخلل السوار اسم الدولة بلون أبيض نسجه هشام بطريقة متقنة تجعل الشاري يظنّ أنّه نتاج آلة ما. وهو ما يجعل من بضاعته تلك في نهاية المطاف، هدايا قيّمة تقدّم إلى الأصدقاء أو يتبادلها العشّاق.

من خلال مصنوعاته اليدوية تلك، يؤمّن هشام لقمة عيشه. وهو اختار هذا العمل الحرّ على الرغم من أنّه يضطر خلاله إلى الوقوف لساعات طويلة يومياً. من دون تعب أو ملل يصنع هشام ما يعرضه للبيع، علماً أنّه كان قد عمل في مهن أخرى في أوقات سابقة. فهو اشتغل على سبيل المثال في تصليح الكهرباء والنحت على الخشب قبل أن يختار ما يحبّه ويجد نفسه به. يُذكر أنّ التنقّل والحركة الدائمَين جعلاه إنساناً عاشقاً لمهنته البسيطة والمعقّدة في آن واحد.



لا يتذكّر هشام ممّن اكتسب مهارة تطويع الخيوط بين أصابعه في صغره، إذ إنّ أياً من أفراد عائلته لم يعمل في الخياطة ولا الفنون ولا التصميم وأثّر بالتالي في توجهاته الفنيّة تلك. يمكن القول إنّ هوايته راحت تكبر أكثر فأكثر حتى تحوّلت في الثامنة عشرة من عمره إلى "مشروع حياة". بالنسبة إلى هشام، مشروعه هذا يقوم على "ركائز أربع هي الصبر والتركيز والسرعة والدقة". ويؤكد أنّه من "خلال الخبرة الطويلة والممارسة اليومية ومصاحبة خيوط الصوف أو الحرير تتحوّل الأصابع إلى آلة خياطة سريعة".

على مدى السنوات الماضية، حمل الشاب حقيبة ظهر وضع فيها بكرات الصوف والحرير المتوفرة بألوان مختلفة بالإضافة إلى الإكسسوارات التي سبق وصنعها، إلى جانب صندوقه الخشبي الخفيف الذي يستخدمه لعرض مصنوعاته، وتنقّل من مدينة إلى أخرى. فاكتشف بلاده الشاسعة وأناسها المختلفين بألسنتهم وثقافاتهم، ليصل إلى شماليّ المغرب ويستقرّ فيه.

في طنجة، اختار موقعاً مميّزاً له، أمام بوابة الدير على طريق السياحة الرئيسي في المدينة القديمة المؤدّي إلى ساحة سوق الداخل ومقاهيه الشهيرة ونزولاً إلى المرسى القديم. موقعه هذا جعل الإقبال على مصنوعاته جيداً، الأمر الذي يحسده عليه أصحاب البازارات التجارية الذين يرون أنّه يؤثّر على أعمالهم ويقلل من نسبة إقبال السيّاح عليهم. تجدر الإشارة إلى أنّ هشام تعرّض للمضايقة من قبلهم إذ طلبوا منه الابتعاد عن البازارات، لكنّ ذلك لم يكن ممكناً إذ هو انتقل من البوليفار أو الشارع الرئيسي في طنجة إلى المدينة القديمة بعدما منعته السلطات المحلية من التجوّل ببسطته في الشارع. يبقى أنّ المهمّ بالنسبة إلى هشام هو "تشجيع الفنّ والمبادرات الفردية وكسب العيش الحلال".

دلالات

المساهمون