الأفراد يكرّسون اللامساواة في مجتمعاتهم... لهذه الأسباب

دراسة دنماركية: اللامساواة بعض أسبابها نفسية ويكرسها المستفيدون منها

16 مايو 2017
دائرة اللامساواة تحتاج إلى من يكسرها(جان سيباستيان إفرار/فرانس برس)
+ الخط -
بيّنت دراسة دنماركية اعتمدت على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الناس أن الفئات المستفيدة من ميزات ومكاسب في مجتمعاتها تساهم في تكريس اللامساواة والعنف والعنصرية، في حين أن عوامل عدة تؤثرعلى الفئات الأضعف، بعضها نفسي، يجعلها تساهم في مفاقمة التمييز واللامساواة أيضاً.
وأوضحت الدراسة التي أنجزتها جامعة "آرهوس"، ونشرتها دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية PNAS يوم 10 إبريل/نيسان 2017، أن أسباب عدم المساواة بين الناس ليست اجتماعية واقتصادية فقط وإنما نفسية أيضاً، مشيرة إلى أنه كلما اتسعت وتعمقت اللامساواة في المجتمعات تقل فرص تغيير الأوضاع والظروف.
وانطلق الباحثون المشاركون في الدراسة من فرضية مستمدة من علم السلوك الحيواني التي تقول: "عندما يكون الحيوان مهيمناً وفي موقع الأقوى، ولديه مواصفات بدنية هائلة، غالباً ما يتصرف بعدوانية. وعلى العكس من ذلك، فالحيوان في المرتبة الأدنى، والأضعف بدنياً، يميل إلى الاحتماء وعدم المواجهة".
ورأوا أيضاً أن الأطفال قبل تمكنهم من الكلام يسلكون درباً مشابهاً، ويتفاعلون مع محيطهم من خلال قياس قدرتهم على الفوز قبل المواجهة.
وأجرى الباحثون أيضاً تحليلاً لبيانات جمعها كل من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة من 27 بلداً، في دراسة استقصائية شملت 40 ألف شخص يعتبرون في أعلى السلم الاجتماعي ولديهم مداخيل مرتفعة. وتبعاً لواقع البلدان المختلفة، استخدمت معايير عدة لقياس عدم المساواة ومنها غياب حرية الصحافة والعنف وعدم المساواة بين الجنسين وانعدام الديمقراطية. وخلص التحليل إلى أن الهيمنة الاجتماعية والسيطرة كانت أشد وضوحاً في البلدان التي تزيد فيها اللامساواة.
كما اعتمدت الدراسة على تحليل العنصر النفسي لدى 5000 شخص شاركوا من 30 ولاية، لم يذكروا هوياتهم، وإنما لديهم أوضاع اجتماعية واقتصادية مميزة.
ويشير الباحثون إلى اعتماد اختبار "متطرف" نوعاً ما عندما سألوا الأشخاص المشاركين في الدراسة عن مدى استعدادهم للمشاركة في عملية مطاردة للمهاجرين مع إمكانية استخدام العنف خلالها، إذا قررت الحكومة اعتبار هؤلاء خارجين على القانون، بحسب الباحث لوت تومسن أحد معدي الدراسة.
وكانت النتائج "مخيفة" بحسب جوناس مونست، الذي عمل أيضاً على الدراسة، وقال :"كان الأمر مقلقاً للغاية، ودراستنا تؤكد الصلة بين الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية وبين العنصرية، ناهيك عن العنف". إذ أبدى المستطلعون استعدادهم للمشاركة في تلك العملية، وهم من فئة تعيش في وسط يشوبه تفاوت كبير في المداخيل.

ورأى الباحثون أن الثورة على اللامساواة تقاس وتقدّر بفرص الفوز المحتملة، مشبهين الأمر باللعبة الاجتماعية التي تعتمد مبدأ تعظيم المكاسب، فالفرد غير المتضرر شخصياً من اللامساواة لا يواجهها فعلياً.
وخلصوا إلى أن "الأفراد المنتمين إلى الجماعات المهيمنة اجتماعياً واقتصادياً لا يتصدون لعدم المساواة في مجتمعاتهم العامة أو مجموعاتهم الأصغر، وطالما أن اللامساواة لا تؤذي مصالحهم المباشرة فهم لن يردعوها أو يوقفوها".
وشرح الباحثون "أن اللامساواة الموجودة في بنية المجتمعات، والخلل الهيكلي بين فئاتها وطبقاتها، وعدم الاستقرار الاجتماعي فيها، هي انعكاس لروح شعوبها، والعكس صحيح".
كما وجدوا أن مجتمعات كثيرة تدور في حلقة مفرغة من العنف واللامساواة على أشكالها، فالناس يميلون إلى الانكفاء والاحتماء وعدم المواجهة، ويسبب ذلك إحباطاً وانعكاساً سلبياً على الواقع النفسي لمواطنيها، الأمر الذي يبقي الأحوال على سوئها إن لم يفاقمها.
وخلصت الدراسة إلى أن سلطات المجتمع إن لم تكن مستعدة لتغيير واقع الناس وتحقيق المساواة بينهم، لاعتبارات السلطة والتحكم والهيمنة، العامة حيناً والشخصية حيناً آخر، وإن بقي الشعب على استكانته وقبوله وعدم مواجهته للأمور، فإنّ اللامساواة لن تتوقف.
(العربي الجديد)

المساهمون