لُقمة أبو عادل الطيبة

لُقمة أبو عادل الطيبة

10 ابريل 2017
لم يشغل نفسه بطباعة لائحة الأصناف (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل نحو عشر سنوات، كنتُ في زيارة صديقٍ يعيش في منطقة الخندق الغميق، وهو حيّ شعبيّ قديم في بيروت لم تصله يد الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية، على عكس وسط المدينة المقابل له، والذي يفصله عنه شارعٌ وجسر. يعتبر الحيّ من الأحياء الأكثر اكتظاظاً في العاصمة، وينسحب ذلك، بطبيعة الحال، على أطراف شوارعه، حيث السيارات مكدّسة. بعد محاولات فاشلة لركن السيارة على مقربة من منزل صديقي، انتقلتُ إلى حيّ مجاور لأكمل محاولتي.
نجحت المهمّة شبه المستحيلة وركنتُ السيارة، وتوجهت إلى منزله. وربّما لأنّي تأخّرت قليلاً، شاءت الصُّدف أن أتعرّف إلى صديق جديد هو "أبو عادل".

"أبو عادل" مطعم شعبيّ للمَشاوي. خُطَّ اسم محله قبل وقتٍ طويل، حتى باتت الأصباغ التي كتبت بها اللوحة مهددة بالانفصال عن خيمة المحل المهترئة عند الأطراف. لكن المهم، وكما نقول باللغة العامية فإن "القالب غالب". فهذا المطعم الشعبيّ عبارة عن مطبخ صغير داخل محلّ، لا يستعمل الدعاية التي اعتدناها، بل يعتمد على زينة الخضار: الخس والنعناع والطماطم والفجل، حيث تفترش سطح براد ممتلئ بأسياخ اللحوم المختلفة، تنتظر من يطلبها لكي تنتقل إلى حوض الفحم المشتعل.

دخلت يومها إلى المكان، وقد سبقتني تحية من شاب منهمك بتحضير الطلبات للزبائن دون أن ينظر إليّ، يسألني عن طلبي. أردّ التحية وأبتسم بصمت. أنظر إلى محتوى البراد، لأقرّر ما الذي أريده، ولأطابق الرائحة مع الطعم. بعد التجربة، وقد أكلت ما أكلت، أكملت زيارتي لصديقي، ولم أتناول معه شيئاً على العشاء، بحجة أنّي أتبع حمية لتخفيف الوزن.

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على زيارتي الأولى، لم يتغيّر المطعم إلّا قليلاً. أضيفت لدى "أبو عادل" خدمة التوصيل (الدليفري)، لكنّه لم يشغل نفسه بطباعة لائحة الأصناف أو طبع اسم المحل على الأكياس. فهو يرفض كل هذه الأمور "الترويجيّة" بعبارة: "ما بدي غلّي على العالم. الله بيرزق يا صاحبي".

انتقل صديقي الذي كنت أزوره من منطقة الخندق، فندرَ مروري بالحيّ. بعدها سافرت للعمل في الخارج، لكني كنت كلما عدت إلى بيروت خلال إجازتي، كان مطعم "أبو عادل" من ضمن الأماكن التي أثابر على زيارتها. مثله كمثل شارع الحمراء وكورنيش المنارة.

وبعد عودتي نهائياً إلى البلد، استعدتُ عاداتي القديمة، ومن بينها سندويشات "أبو عادل". ومن المفارقات، أن المطعم واكب كل التظاهرات التي حصلت على مسافة قريبة منه، في وسط المدينة، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. جميع أطراف الانقسام في البلد أكلت من لقمته الطيبة.

دلالات

المساهمون