لبنان أخيراً... لبنان أولاً

لبنان أخيراً... لبنان أولاً

09 ابريل 2017
آثار الحرب الأهلية جليّة في بيروت (راتب الصفدي/ الأناضول)
+ الخط -

بدأنا من الديموغرافيا، ومررنا على ظواهر عدّة مرافقة لما وصفناه بـالخلل الذي تعاني منه المنطقة العربية، لنصل إلى التوقّف عند مسألة الأمية. وفي الإمكان إضافة مزيد من العناوين المهمة في مجال رصد الوضع السكاني في المنطقة العربية، لا سيّما توفّر الموارد البشرية والموارد الطبيعية واستمراريتها، ومسألة المياه والغذاء وتوفيرهما، ونزيف الأدمغة وغير هذا من معضلات.

كل واحد من العناوين المشار إليها يتطلب مبحثاً مستقلاً. ولا بدّ من العودة الى السؤال الواجب طرحه بإلحاح حول ما فعلته الحروب الأهلية بهذه البنية السكانية. فما جرى في لبنان وما يجري في سورية والعراق واليمن ومصر، يوصَّف كحروب أهلية أو فتن بحسب التراث التأريخي العربي.

الساحات الأكثر التهاباً هي بالترتيب سورية والعراق واليمن وليبيا، ثم تأتي قضية فلسطين وماذا جرى ويجري في لبنان. نبدأ من لبنان صعوداً نحو خطوط النار المشتعلة في "الهلال الخصيب". لماذا لبنان؟ لأنّه النموذج الساطع عمّا تتركه الحروب الداخلية من شروخ عميقة في بنية مجتمع من المجتمعات العربية ولآماد بعيدة.

بداية، نحن اليوم على مسافة 26 سنة من توقّف القتال. ومن دون مبالغة، يمكن القول إنّ الصورة التي رسمت مع وقف إطلاق النار ما زالت حاضرة وبقسوة. ففي سنوات المحنة، كان ثمّة اختناق سياسي وفرز ديموغرافي وما يشبه الكانتونات وحواجز تمنع التواصل بين اللبنانيين وهيمنة من المليشيات على مقدّرات الدولة ومواردها من المرافق العامة وتقوقع من جهة القطاع الخاص وما إلى ذلك.

لنبدأ بالاختناق السياسي. على الرغم من النجاح في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أخيراً، إلا أنّ محاولة المجلس النيابي التوصّل إلى الاتفاق على قانون انتخابي ما زالت تصطدم بالمواقف المتعارضة. يُذكر أنّ المجلس سبق ومدد لنفسه مرّتين بدعوى التوصّل إلى هذا القانون. والتناقض في المواقف مردّه الأساس إلى أنّ القانون يحدّد سلفاً من هو الفائز ومن هو الخاسر في الميدان. لذا لا يرغب أحد في تسليم أوراقه.

وإذا انتقلنا الى مسألة الفرز الديموغرافي، نجده قد تعمّق خلال عقود السلام. المهجّرون من مناطق الجبل والذين دفعت الدولة لإعادة إعمار بيوتهم المهدّمة مليارات الدولارات، لم يرجع منهم سوى نذر يسير (أقل من 10 في المائة فقط). أمّا المرافق العامة، ففي حال مزرية. الكهرباء ما زالت تخضع للتقنين وقد تعّود المواطنون على دفع فاتورتَين للكهرباء (اشتراك المولد الخاص وما تؤمّنه الدولة) وكذلك للماء. إلى ذلك، بات الفرز أشدّ سطوعاً مع أنّ الطرقات مفتوحة. وبدلاً من الفرز على قاعدة مسلم/مسيحي أضيف الآن فرز سني/شيعي. ثم تأتي الهيمنة على المرافق المدرّة للمال العام، ما بين أزلام القوى السياسية ومافيات الفساد. ويبقى أنّ الخلل الذي أرسته الحرب على صعيد توزّع السكان قد تفاقم بالتأكيد، وقد أضيف إليه أخيراً مليون ونصف مليون لاجئ سوري يضغطون بدورهم على بنية واقتصاد مأزومَين ومنهكَين.

*أستاذ جامعي


المساهمون