شوارع لبنان تبتلع السيارات

شوارع لبنان تبتلع السيارات

08 ابريل 2017
الإزعاج مستمر (حسين بيضون)
+ الخط -
تنتشر لافتات "البلدية تأسف على الإزعاج" في معظم الطرقات اللبنانية طوال أيام السنة. اللافتة تُغرَس في كثير من الأوقات عند أول حفرة تبشّر المواطن العابر بسيارته بسلسلة طويلة من الحفر بعدها، أو بتحويل السير عبر طريق فرعي سيضيف زحمة ويضيع وقتاً إضافياً على يوميات الشوارع اللبنانية المزدحمة. ومن لم تستقبله لافتة الاعتذار تلك، من الممكن أن تباغته إحدى الحفر ويستقر فيها إطار أو أكثر من إطارات سيارته.

لا تميز حفر المتعهدين التابعين للبلديات أو وزارة الأشغال بين منطقة وأخرى، فجميع المواطنين متساوون أمام هذه الأزمة التي لا تنتهي. ويتوارث الأبناء عن الآباء المعلومات عن مواقع الحفر وعمقها وأساليب تجنبها.

يتحدث بيار، وهو مواطن يقيم في مدينة جونية، إلى الشمال من بيروت، عن ورشة مدّ أنابيب صرف صحي وتعبيد طريق طوله 200 متر تستمر منذ أكثر من 6 أشهر. يقارن بين الورشة وبين ما شهده من تعبيد لشارع رئيسي في إحدى المدن الأوروبية لم يستغرق أكثر من يومين اثنين. اضطر سكان الحي، حيث بيار، إلى سلوك طريق أطول أضاف إلى الزحمة نحوا 15 دقيقة، وهي المدة التي يستغرقها الالتفاف فوق الجسر التالي للحي، والعودة إليه.

الحل في المشي (حسين بيضون)
 

وفي مدينة طرابلس، شمال لبنان، التي توصف بـ"أم الفقير" تحتضن حفر كبيرة في ساحة التل -الوسط الحيوي للمدينة - النصف الأمامي من السيارة، ولا تفلته قبل ابتلاع النصف الخلفي منها. اعتاد سائقو السيارات العمومية هذه الحفر، وباتوا يتجاوزونها عبر الطريق الموازي، أو عكس وجهة السير، لتلافي الكلفة المادية الباهظة لكسر أي من أجزاء السيارة المحيطة بالإطارات.

وبين طرابلس وجونية طريق سريع يُفترض أن يكون خالياً من الحفر، لكن ما إن تنتهي آليات وزارة الأشغال من رقع بعض الحفر الناتجة عن تردي حالة الزفت (الإسفلت) القديم حتى تفتح حفر إضافية يصعب التنبؤ بمكانها أو عمقها. كادت إحدى الحفر الجديدة تودي بحياة مايا، وهي موظفة في جمعية أهلية يقتضي عملها التنقل المستمر بين بيروت وطرابلس. بينما كانت تقود على الخط الأيمن تعرضت سيارتها إلى صدمة من الجانب الأيسر من سيارة كانت تحاول تلافي حفرة كبيرة على الطريق. تعزو مايا سلامتها وسلامة السائق في السيارة الثانية إلى الحظ فقط. لكنّ الحظ لا يُنقذها من الميكانيكي الذي تقصده دورياً لتغيير نوابض السيارة وصيانة الإطارات التي تفقد انضباط دوراتها نتيجة الارتطام المُتكرر بالحفر والمطبات. وبالرغم من مرور أكثر من شهر على إيعاز وزارة الأشغال العامة للبلديات بإزالة المطبات عن طرقاتها، ما زالت هذه المطبات غير المميزة بعلامات تفاجئ المواطنين. تشكو مايا أيضاً من تحول هذه الحفر ومحاولة تلافيها إلى همّ يومي يُفقد المواطنين أعصابهم.



أما وسيم، وهو موظف يستخدم الدراجة النارية في تنقلاته، فبات يشكو من مشاكل في ظهره نتيجة الحفر المتكررة التي ترتطم بها دراجته طوال اليوم. لا يمر شهر كذلك، من زيارة الميكانيكي لفحص النوابض. وفي إحدى المرات اضطر إلى تغيير إطارين معاً، بسبب كسر طال القاعدة الحديدية لهما نتيجة ارتطامه بحفرة عميقة في شارع غير مضاء في محلة الجناح، جنوب بيروت. يضاف إلى مشكلة الحفر أزمة غياب أغطية مسارب تصريف المياه وشبكات الهواتف في الطرقات. فيتحول يوم وسيم إلى محاولة هرب دائمة من الحفر ومن القنوات المفتوحة التي يشبّهها بالفخاخ.

احذروا الحفرة (حسين بيضون)
 

يتشارك محمد الهمّ نفسه مع وسيم، بالرغم من اختلاف وسيلة التنقل. تحولت حياة العشريني إلى جحيم بعدما قرر اقتناء سيارة رياضية ألمانية بسبب احتكاكها المتكرر بالأرض غير المستوية بالقرب من مكان سكنه في محلة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت. يشكو محمد من كثرة الحفر وتركها من دون تعبيد وقتاً طويلاً. وهي ظاهرة تتفاقم في الشتاء، مع تحول الحفر إلى مستنقعات: "كلّ ذلك يستهلك السيارة وينقص من العمر الافتراضي للقطع المتحركة فيها" بحسب الميكانيكي الذي يستقبل سيارة محمد مرة أو أكثر شهرياً.

وتؤكد وهيبة، وهي ربة منزل من بيروت، أنّ كلفة صيانة السيارة تؤثر سلباً على الموازنة الشهرية للأسرة التي تفقد جزءاً معتبراً من الدخل لدفع بدل اشتراك موقف للسيارة يبلغ 100 دولار أميركي شهرياً، بالإضافة إلى بدل الصيانة الشهري في الشركة المصنعة للسيارة، والضرائب والرسوم السنوية عليها. تستنكر السيدة البيروتية "عدم انعكاس كلّ المبالغ التي ندفعها كميكانيك ومعاينة للدولة على أحوال الطرقات المتردية".

بدورها، تطلب مارينا، وهي موظفة، من الدولة إنجاز 3 خطوات للحدّ من أزمة الحفر في لبنان هي تلزيم كلّ أعمال البنى التحتية إلى متعهد واحد أو تحالف متعهدين يتفقون على حفر الطرقات مرة واحدة فقط تنجَز خلالها كلّ الأعمال المطلوبة. بعدها طمر الحفر وتعبيدها مباشرة. ثم إعلام المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمواعيد الحفر والمدة المتوقعة للعمل، بدلاً من الاكتفاء بالبيانات الرسمية التي تصدرها قوى الأمن الداخلي ولا تصل إلى جميع المواطنين.

دلالات