خريجو العراق محبطون

خريجو العراق محبطون

07 ابريل 2017
بهجة التخرج قد لا تعكس ما بعده(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
ليس شرطاً أن تتوّج سنوات الدراسة الجامعية بالوظيفة التي يحلم بها الخريجون، خصوصاً في العراق الذي يعاني من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية شتى. وهو ما يحبط كثيراً من الخريجين وكذلك الطلاب الذين يتهيأون للتخرج.

بشير صالح (21 عاماً) طالب سنة أخيرة في كلية التربية في "جامعة بغداد" يقول لـ "العربي الجديد": "نفسياً، تزداد حالتي سوءاً يوماً بعد يوم. هو العدّ التنازلي لسنوات الدراسة، ولا بدّ من أن يكون مصيري مثل مصير صديقي عمران، الذي تخرّج قبل ثلاث سنوات وحاول جاهداً أن يحصل على وظيفة دولة من دون جدوى. كذلك، حاول أن يجد فرصة عمل في أيّ مجال آخر غير مجال التربية والتعليم، لكنّ كثرة التنقل والنزوح حالت دون استمراره في العمل الذي حصل عليه".

يتابع صالح: "أعرف أنّ التعيين في القطاع الحكومي ليس كلّ شيء، ويمكن أن يحصل الخريج على فرصة عمل في القطاع الخاص، أو يوفر لنفسه تلك الفرصة في عمل حر، لكنّ الأمر ليس سهلاً في بلدنا بسبب ضعف الإمكانيات المادية، بعد تراجع الاقتصاد وعدم استقرار الوضع الأمني".

الطالبة سمر عبد الله (22 عاماً) ستحصل، بعد أشهر قليلة، على الشهادة الجامعية من كلية القانون: "عندها سأكون جزءاً من أيّ ديكور في منزلنا. لديّ الكثير من الصديقات من الدفعات السابقة لم يحصلن على وظيفة حكومية. كذلك، فإنّ سوء الوضع الأمني في محافظتي ديالى لا يشجع القطاع الخاص على العمل، وبالتالي توفير فرص عمل أكثر". تضيف لـ "العربي الجديد": "خلال السنوات الأربع في الجامعة، عانيت كثيراً كي أصل إلى المحاضرات بسبب تردي الوضع الأمني، خصوصاً مع التفجيرات والحواجز الأمنية ومصاعب التنقل والازدحام. كلّ هذا سيكون مجرد ذكريات لا قيمة لها وليس هناك من يقدّرها. ليس ذلك فحسب، بل إنّ مجموع نفقات أهلي على دراستي تقابله المؤسسات الحكومية بلامبالاة وعدم إعداد خطة لاستيعاب أعداد الخريجين سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي، وهو ما يبعث على الإحباط".


الباحث الاجتماعي مجيد التميمي يقول لـ "العربي الجديد": "الهدف الحقيقي من الدراسة يختلف من شخص إلى آخر، فالبعض يسعى إلى الحصول على شهادة جامعية من أجل العلم والتعلم فقط، وآخرون من أجل العمل. وللانتظار في الحالتين آثار سلبية، لأنّ الشخص الذي يسعى إلى المال لا يبدع في أيّ مكان ولا يشعر بالاستقرار الوظيفي باعتباره دائم البحث عن عمل يحقق له مردوداً مادياً أكبر، أما النوع الثاني فإنّه دائم التفكير في تطوير نفسه وخبراته". يضيف: "بإمكان الخريجين استغلال وقت انتظار الوظيفة بتعلم مهارات والمشاركة في أعمال تطوعية". ويشير إلى نقطة مختلفة: "فرص العمل متوافرة لكن لمن يبذل جهداً أكبر، فالكثير من الخريجين يبحثون عن الطريق السهل في الحصول على المورد المادي عبر التعيين الحكومي الذي بات هوس الجميع، وقليلون من يبحثون عن العمل الخاص والإبداع والابتكار. الكل يفكر في التقاعد المريح بعد سنوات الوظيفة الحكومية الطويلة". يتابع التميمي أنّ اقتناص الفرصة المناسبة أمر مهم لكلّ شاب وشابة حصلا على الشهادة الجامعية من دون رصد عقارب الساعة وانتظار الوظيفة التي قد لا تأتي أبداً.

من هذا المنطلق، لا بد من الإشارة إلى أمور مهمة يجب توفرها في حال رغبة الخريج في الحصول على فرصة عمل، أهمها إغناء السيرة الذاتية بالمهارات اللازمة عبر الدورات الملائمة قبل التقدم إلى أيّ عمل.

يصف الخبير الاقتصادي أنس المرشد لـ "العربي الجديد" ما يعاني منه العراق أنّها "أزمة بطالة مثقفين. وهي أزمة خطيرة جداً، فالإحباط الذي يصيب الخريجين الجدد لم يأتِ من فراغ، بل من واقع من سبقهم إلى التخرج ولم يجد وظيفة". يقول: "الحصول على شهادة جامعية لم يعد مستحيلاً مع توفر عدد كبير من الجامعات التي تخرّج آلاف الطلاب سنوياً، إذ إنّ عدد الجامعات الحكومية العراقية 35 جامعة مقابل 43 جامعة أهلية، من دون أن نتحدث عن جامعات إقليم كردستان حتى. وبالتالي، فإنّ جميع هؤلاء الخريجين يبحثون عن وظيفة ضمن اختصاصهم".

ويبيّن المرشد أنّ هناك عوامل ساهمت أيضاً في البطالة، لأنّ بعض الاختصاصات ستنقرض مستقبلاً، كالزراعة والآثار وكثير من الاختصاصات الإنسانية التي لم يعد هناك إقبال عليها، لأنّها لا توفر فرصة عمل في بلد اقتصاده ريعي، وحلم الوظيفة الحكومية يسيطر على أبنائه، مع أنّ الحكومة تواجه أزمة اقتصادية، فلديها 4 ملايين موظف تقريباً، 100 ألف منهم يتقاضون رواتبهم من دون أي عائد اقتصادي. هذا يعني أنّ الحكومة تحتاج كلّ عام إلى 50 مليار دولار أميركي كرواتب، بينما تشير توقعات الاقتصاديين إلى أنّ عوائد الحكومة كاملة لا تتجاوز 69 مليار دولار. في المقابل، يقول المرشد إنّ 90 في المائة من الخريجين الجدد يفتقدون المهارات، ويعانون من ضعف في اللغة الإنكليزية واستخدام الكمبيوتر.

وكانت وزارة التخطيط العراقية كشفت عن أكثر من 6 ملايين عاطل من العمل في العراق، يؤكد البعض أنّ جزءاً كبيراً منهم هم من أولئك الخريجين المحبطين.

المساهمون